الادغام في اللغة

آخر تحديث 2019-02-28 00:00:00 - المصدر: قواعد اللغة العربية

الادغام في اللغة العربية

الإدغام لغة

"(دَغَم) الدَال والغَين أصلان، أحدهُما من باب الألوان، والآخرُ دخولُ شيءٍ في مَدخلٍ ما(1)" ومنهم من عرّفهُ من المجَاز بقوله: "ادغَم الحَرف في الحَرف. وأرغمكَ الله وأدغمك" وهو: "ودَغَمهُم الحَرّ والبَرد يدُغمهَم دَغماً ودَغمَهم دَغمَاناً" غَشيَهم، زاد الجوهري: وأدغَمهم أي غَشيَهم. ادغمهُ الشيء، سَاءهُ وأرغمهُ. والإدغام: إدخالُ حرفٍ في حَرف. يُقال أدغمتُ الحَرف ودغمته.

إن الإدغام بسكون الدال هو مصدر (أدغَم) وبتشديدها مصدر ادَّغَمَ، والإدّغام بتشديد الدال هي عبارة البصريين، وبإسكانها هي عبارة الكوفيين، وبذلك يقال في الإدغام (افتعال) وهي عبارة سيبويه و( إفعال) للكوفيين.

الإدغام اصطلاحاً

"قد ثَبُتَ أن الإدغام في المعتاد إنما هو تَقريبُ صَوت من صَوت"، والإدغام يعني هو الإتيان بحرفين من مخرجٍ واحدٍ وهو ساكن أو متحرك، ويكون في نطقهما دفعة واحدة بلا فصل بينهما، وعرّفهُ بعضهم بأنه ثُقل التقاء المتجانسين على ألسنتهم فاستعملوا الادغام؛ لأنه يساعدهم على الخفة في النطق، وقال أبو حيان إن الادغام هو آخر ما يتكلمُ في علم التصريف وبيّنه، وعَرّفه بأنه يكون برفع اللسان بالحرفين برفعة واحدة، ووصفهما موضوعاً واحداً، فيدخل الادغام بجميع حروف العربية ما عدا الألف اللينة، وغرضه للتخفيف، وسُميّ الادغام إدغاما؛ لان الساكن عند التحرك يختفي وكأنه قد دخل فيه إذ خرج بمزيج واحد، فالحرف الخفي ليس من مخرج ما بعده.

أمّا علماء اللغة المحدثون فقد عَرّفوا الإدغام على أنه نزعة صوتين ووصولهما إلى التماثل بمعنى هناك صفات مشتركة بينهما وبهذا يُسهّل عليها اندماجها معاً وبخاصةً في الحروف المتقاربة التي تبدو وكأنها تداخلت معــــاً في المخارج، وبَيّن المحدثون على أنه عملية نطقية عضوية، إذ يُلاحظ فيها اقتصاد في المجهود، وهو بذلك يكون عند النطق فان الحجاب الحاجز لا يرتفع ولا ينخفض أكثر من مرة واحدة، وإنما ارتفاعه يكون مفرداً لمرة واحدة فقط أطول وأشد من غيره، أمّا إذا كان الحرفان مختلفين، فانه يقوم بعملية قلب ليتم التماثل، ويكون أساس الإدغام هو التماثل.

وأما حكم الإدغام، فله شرط وسبب  ومانع، ففي المدغم يكون شرطه بالتقاء الحرفين خطاً لا لفظاً، ليدخل، مثل: إنه هو، ويخرج، مثل: أنا نذير، وأمّا بكلمة الواحدة، ليدخل مثل: خَلقكم، ويخرج مثل، يَرزقكم ويكون السبب في ذلك هو التماثل والتجانس والتقارب أو ماسُمي بالتشارك، أو التلاصق، أو التكافؤ.

وسَمى المحدثون هذه الظاهرة اللغوية بـ (Assimilation)، وأطلق عليها في كتاب الأصوات اللغوية بـ(المماثلة)؛ لان شرطها في ذلك (تأثير الأصوات المتجاورة) أن تكون مُتَشابهة في المخرج والصفة، وسُميت بـ(التشاكل) أيضا.

وهذه الظاهرة الصوتية كثيراً ما نجدها في البيئات البدائية، إذ أنهم سريعو النطق بالكلمات، وتمزج بعضها ببعض، من القبائل التي عُرفت بهذه الظاهرة هي: تميم وأسد وبكر بن وائل وتغلب وعبد القيس.

ومن أنواع الإدغام:

الإدغام الصغير

وهو ما كان أحد الحرفين ساكناً وهو الأول، وينقسم هذا الإدغام إلى أنواع، ويقع في كلمتين أو كلمة واحدة، ويكون إمّا نوعاً جائزاً، أو واجباً، أو يكون ممتنعاً، فالجائز مثلاً ينقسمُ على قسمين أيضا، وهما:

1- إدغام حرف من كلمة واحدة ولكن في حرف متعددة من كلمات متفرقة، ويقتصر على فصول فقط وهي: إذ، وقد، وهل، وبل، وتاء التأنيث.

2- إدغام حرف في حرف سواء كان في كلمة واحدة آو كلمتين، أينما وقع، وهذه الحروف من التي قربت مخارجها.

وفي الإدغام الصغير يتجاور الصوتان الساكنان، بدون فاصل بين أصوات اللين، وشاع هذا؛ لان شرط تأثير الصوت في الآخر هو لابد أن يكون التقاؤهما مباشرا.

       ويقع الإدغام في الحروف متقاربة المخَارج، ففي الحروف مثلاً يقع الإدغام في الحروف الشمسية بأجمعها، إذ تُدغم لام التعريف في حرفها الأول، وهذه الحروف الشمسية يبلغ عددها 14 حرفا، وهي: الثـاء والـذال الظاء والتـاء والـدال والطاء والنون واللام والـراء والضاد والسيـن والصاد والزاي والشين، فعندما يـأتي أحـد هذه الحروف بعد لام التعريف (أل) تبدل هذه اللام إلى صـوت يماثل الصوت الشمسي، وبذلك يدغمان معا، إذ هو إدغام واجب، وسيمثله لنا الظريف بقوله:

نصبتَ حبالاتِ الكَرَى لاقتناصِهِ    ***    فَعَاقَبْتَ جَفْنِي بالسُّهَادِ المُؤبَّدِ وأقبلَ تحتَ الشَّعرِ كالبدرِ في الدُّجى  ***   على مِثلِ غصنِ البانةِ المُتأَوِّدِ

فالكلمات: (بالسُّهاد) و(الشَّعر) و(الدُّجى) إذ دخلت لام التعريف على حرف السين والشين والدال، فقُلبت اللام لصوت يماثل هذه الأصوات، وكأنها صوت واحد.

وكلمة (الزّمان) قلبت أل التعريف مع الحرف (الزاي)، حرفاً واحداً مماثلاً، وتشديده علامة لوجود الإدغام فيه، كما يكون الإدغام في كلمتين مثل (أن يرى)، فأدغمت النون بالياء؛ لكون الحرف الأول ساكناً، فأصبح مدغماً كأنه يلفظ حرفاً واحداً.

ومثلها (مما) أصلها (من ما) النون ساكنة والميم متحركة وهما متقاربان مخرجا وصفة، فصارا حرفاً واحداً يُعبر عنه (مما).

ومن ثَم يُقسم الإدغام على ثلاثة أقسام، هي:

  • إدغام المتماثلين   
  • ادغام المتجانسين  
  • إدغام المتقاربين

أولاً- إدغام المتماثلين

هو أن يتفقَ الحرفان مخرجاً وصفة، كالباء في الباء، والتاء في التاء، وعند التقائهما معاً تُحذفُ حركة احدهما ويُدغمُ احدهما بالآخر، إذ يصبح اللسان معهما في حركة وموضع واحد لا يغيره ولا يتخلى عنه ، وقد يدغم المثلان معاً إلا الهمزتين والألفين فلا يُدغمان، فأمّا الألف؛ لأنه لا يُدغم إلا في حرف متحرك، وان الألف لا تتحرك، وأمّا الهمزة فأنها تكون ثقيلة جداً، لذلك نرى أهل التخفيف يخففونها منفردة، وعند التقائها بغيرها فان هذا يزيدها ثقلاً، إذ ما لازمت أحداهما البدل.

وبهذا فقد وَضعَ سيبويه لهذا النوع من الإدغام عللاً وأصولاً، يرجعهما في النهاية إلى ما يُسمى بـ"كراهية التقاء الأضداد والأمثال" التي نراها كثيراً تُسيطر على الذوق العربي في تكوين الجُمَل السياقية، وبذلك عَبّر سيبويه عن الأصل الذي رجع اليه بقوله: "كلما توالت الحركات أكثر كَان الإدغام أحسن، فالعربية تَكرهُ توالي الأمثال أو المتحركات في الكلام ولا تحبذه في الكلمة الواحدة إذا زادت عن أربعة حروف، ويَقصدُ سيبويه بتوالي المتحركات الأربع، ربما أنبأ عن ساكن محذوف، فالعربية قد تقبلت توالي أربع متحركات في حالات قليلة"، وعَبّر الشّاعر عن هذا النوع من الإدغام في أبياته الشعرية بقوله:

فاذهبْ إذا ما أراكَ الحُسنُ بارِقَةً  ***  فإنَّ دَمعكَ إن تستسقها المَطَرُ

(فإنَّ) أصلها (فانن) فالتقى حرفان مثلان، فادغم الأول بالثاني بعد أن ُسكَّنَ الحرف الأول، فأصبحا حرفاً واحداً مشدداً، وقوله في بيتٍ آخر:

في الرَّاحِ سرٌّ بالسُّرور يُحَصِّصُ  ***  فلذا الحَبابُ إذا تبدَّتْ يَرقُصُ

(سرّ) واصلها (سرر) سُكنَ الحرف الأول وأدغم في الثاني وأصبحا حرفاً واحداً مشدداً، وهما حرفان متماثلان، ومن الكلمات الأخرى:  (الحيّ) أصلها (الحيْيِ) أو (حيّ)، أي يمكن إدغامها؛ وذلك لأن عين الكلمة ولامها ياءان فلابد من تحريك الحرف الثاني، مثل كلمة (عيْيَ وحيْيَ، فتقول: عيّ وحيّ)، أي أن الفكّ والإدغام جائز في هذه الكلمات

ثانياً- إدغام المتجانسين

هو أن يتفقا مخرجاً ويختلفا في الصفة، كالذال مع الثاء والثاء مع الظاء، والتاء في الذال، فعند التقائهما معاً يُقلب اللفظ الأول إلى الآخر، ويُدغما فيه، مثاله قول الشاعر:

ولا زالت ثمار الأنس فيها    ***   تزيد لطافةً في كل حال

التجانس حصل من إدغام التاء في كلمة (ولا زالت) بالثاء في كلمة (ثمار) فقلبت التاء ثاءً.

ثالثاً- إدغام المتقاربين

ويُقصدُ به هو ما تقاربا في المخرج أو الصفة، مثل حرفي الثاء والتاء، ومخارج الحروف هي ستةَ عشرَ حرفاً تقريباً، فإدغام المتقاربين في (إنْ لم) و (مِنْ بعد) في الأولى بين النون واللام فصارا حرفاً واحداً مشدداً هو (اللام)، وفي الثانية حصل الإدغام بين النون والباء فصارا (ميماً).

ومثله قول الشاعر:

كَمْ راقني مِنْ رَبِيعِ أَرْبُعِها   ***  زَاهِرها بَهْجَةً وَزَاهِيها

(منْ رَبيع) التقى حرفان متقاربان، فمَخرج الراء يخرجُ من طرف اللسان إلى حافة الحنك الأعلى، والنون من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا، بسكون النون وتحريك الراء، يَحدثُ الإدغام فيصبحا حرفاً واحداً مشدداً في النطق.