مفهوم الزمن وأهمّيته

آخر تحديث 2019-09-12 13:14:00 - المصدر: قواعد اللغة العربية

مفهوم الزمن وأهمّيته

الزمن في اللغة: «اسم لقليل الوقت وكثيره، يُقال: زمانٌ وزمَنْ، والجمع: أَزمانٌِ وأَزْمِنَةٍ. ويُقال: أزمن الشيء؛ أي طال عليه الزمن، وأزمَنَ بالمكان؛ أقام به زماناً.

ويقولون: لقيته ذاتَ الزُمَيْنِ، فيرادُ بذلك تراخي المدّة.

فالزمن والزمان لفظتان تحملان نفس المعنى، ولا فارق بينهما فهما تنتميان إلى مادّة لغوية واحدة».

فعلى ذلك يتبيّن لنا أنَّ الزمن هو: اقتران حدث بحدث آخر.

وعرّف الزركشي الزمان بقوله: «الزمان الحقيقي هو مرور الليل والنهار أو مقدار حركة الفلك».

والزمن النحوي: «وظيفة في السياق يؤدّيها الفعل أو الصفة أو ما نُقل إلى الفعل من الأقسام الأُخرى للكلم كالمصادر والخوالف»، فمفهوم الزمن في اصطلاح علماء المسلمين مرتبط بمعناه اللغوي، فهو يعني: ساعات الليل والنهار، وكذلك المدّة الطويل منها والقصير، ولا يخفى ما بين هذا المعنى والمعنى اللغوي من ارتباط وثيق، فمعجمات اللغة وكتب التاريخ وكتب التفسير عندما تتحدّث عن مفهوم الزمن، نتّخذ مساراً فلسفياً مقصوداً، بحيث يصعب إدراك المعنى الأصلي للزمن بعيداً عن المذاهب الفلسفية، ومن ذلك يتبيّن لنا أنَّ مفهوم الزمن في الدراسات الفلسفية يرتبط بدلالته الفلسفية، فأفلاطون على سبيل المثال يرى أنَّ الزمن حادث ومخلوق، أي: أنــَّه ربط الحركة بالزمن فكُلّ متحرّك له زمن، وهذا يعني أنَّ أفلاطون يعتبر الزمان هو الحركة في حدّ ذاتها، وقدّم دليلاً على ذلك قول أرسطو: أنَّ الأقدمين جميعاً ما عدا أفلاطون اعتقدوا أنَّ الزمان قديم، أمـَّا هو فقد جعله حادثاً، إذ ذكر أنــَّه وُجِدَ مع السماء، وأنَّ السماء حادثة، أمـَّا أرسطو فهو يرى أنَّ الزمن فعل واحد، وشيء متــّصل، بسبب اتصال الحركة, وقد تصوّره متــّصلاً وعدَّ الوقفات فيه وهماً؛ لأنَّ الحركة والزمان لا بداية لهما ولا نهاية، وهذا يعني أنَّ أرسطو استمرّ على نمط أستاذه أفلاطون، حيث يجعل الزمن مرتبطاً بالحركة، غير أنــَّه يعتبر الزمان مقداراً للحركة وقياسها.

يتــّضح لنا ممَّا تقدّم أنَّ الزمن مسألة جوهرية، فلا يمكنا غض النظر عنه؛ لأنَّ إحساس الإنسان يتحوّل ويتغيّر من حال إلى أُخرى، فهو يعني لنا: التتابع.

«فللزمن مدلولات عديدة وأنــَّه يثير الحرج عندما يتوارد إلى أذهاننا فهو يُشكل مفهوماً مهمّاً من هذه المفاهيم التي ليس من السهولة إيجاد تعريف واحد ومحدود لها».

فخلاصة ما تقدّم اتــّضح لنا أنَّ الزمن النحوي يعني: وجود أداة مشعرة بالزمن، أو وجود تركيب نحوي مشعر بذلك، مثل: ذهبَ زيدٌ ـــــ ماضٍ، يذهبُ زيدٌ ـــــــ مستقبل.

تقسيم الزمن

قسّم النحويون الفعل على ثلاثة أقسام، وهي: الفعل الماضي الذي يدلُّ على وقوع الحدث قبل زمان التكلّم، والفعل المضارع الذي يدلُّ على وقوع الحدث حين التكلّم أو بعده، وفعل الأمر الذي يضيف إلى دلالته على الطلب دلالةً على وقوع الحدث في المستقبل فيكون الأصح فيما أذهب إليه أنَّ فعل الأمر فعلٌ يدلُّ على طلب إيجاد الفعل في المستقبل.

فتقسيمهم هذا مبنيٌّ على أساس أنَّ الأزمنة ثلاثة: (ماضٍ، حاضر، مستقبل)، فأوّل من أشار إلى تقسيم الفعل سيبويه إذ قال: «وأما الفعل فأمثلة أُخذتْ من لفظ أحداث الأسماء، وبُنيتْ لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينَقطع».

وقد اتّفق البصريون والكوفيون، في تقسيمهم للفعل على أمرين:

أوّلهما: قسموا الفعل على أساس تقسيم الزمن الفلسفي إلى (ماضٍ، حاضر، مستقبل)، ثانيهما: خصّوا كُلّ زمن بصيغة معيّنة، هو معناها في حالتي الانفراد والتساوق على السواء.

وعليه فقد قسّم الباحثون المحدثون الزمن اللغوي على نوعين:

أوّلاً: الزمن النحوي (السياق التركيبي): الذي تحدّده القرينة اللفظية في الكلام، أي: «معنى الفعل في السيّاق».

ممَّا تقدّم يتــّضح أنَّ للفعل الماضي والمضارع، زمنين: زمن صرفي، وزمن نحوي، فالزمن النحوي الذي يكون للماضي أو الحاضر أو المستقبل يمكن الوصول إليه من طريق السياق الذي يأتي فيه الفعل، كقوله تعالى: "وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ" [سورة القصص، من الآية: 20]، و" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" [سورة المائدة، من الآية: 3]، و"وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ" [سورة الأعراف، من الآية: 44]، فالفعل (جاءَ)، دلّ على زمن الماضي؛ وذلك لأنــَّه يدلُّ على حكاية حدثٍ ماضٍ، والفعل (أكمل) دلَّ على زمن الحاضر، والفعل (نادى) دلَّ على زمن المستقبل؛ وذلك لأنــَّه يدلُّ على حدثٍ سيحدث في يوم القيامة، فلم تذكر الدراسات دلالة فعل الأمر على الزمن؛ وذلك بسبب وجود خلافات كبيرة بين النحويين القدامى والمحدثين حول دلالة أساليب الطلب على الزمن (فعل الأمر)، كالتمني الترجي وعدم دلالته عليه.

إذن فتحديد الزمن مقصورٌ على السياق، أمـَّا محاولة معرفة الزمن من طريق الصيغة فلا يبدو موفّقاً بسبب اختلاف الأزمنة وكيفيات التعبير عنها، وعلى هذا الأمر كان مدار الباحثين في دراستهم للزمن، إذ لم يقتصروا على ما قدّمه القدامى من آراء في هذا الجانب، وإنــَّما توجّهوا في دراستهم للزمن النحوي إلى السياق ومحاولة معرفة الصيغ الزمنية واستنباطها منها، ومن أوائل الباحثين العرب المحدثين في هذا الجانب (د. مهدي المخزومي، ود. تمّام حسّان وغيرهما).

إذ بنى الدكتور مهدي المخزومي تقسيمه للزمن في ضوء الاستعمال الذي يأتي به من طريق الأدوات والحروف التي تدخل على الأفعال فتزيد عليها معنى الزمن بحسب السياق الذي ترد فيه، إذ قسم المخزومي الزمن على (عشرين) قسماً مستفاداً من الصيغ (فَعَلَ ــ يَفْعَل ــ فَاعِل) بحسب الاستعمال الذي تأتي به، فالصيغة لا تقتصر في ارتباطها بالزمن دائماً؛ لأنــَّه وظيفة في السياق، «وإنــَّما تختار الصيغة التي تتوافر لها الضمائم والقرائن التي تعين على تحميلها معنى الزمن المعيّن المراد في السياق».

وبناءً على ما تقدّم يتــّضح لنا أنَّ الزمن اللغوي، يقسم بحسب دلالة الصيغ والتراكيب المفردة على ثلاثة أزمنة كما سبق (ماضٍ، حاضر، مستقبل).