علاقات الحروف بالزمن النحوي
يُعدّ الزمن من الموضوعات المهمّة التي شغلت النحويين القدامى والمحدثين من حيث دلالته وكيفيّته، فبسبب أبعاده الزمنية الكثيرة، يُعدّ موضوعاً فعالاً في الفكر النحوي، وكذلك له أثر كبير في حيوية اللغة ونشاطها فضلاً عن شمولية الزمن في التراكيب اللغوية في العربية، فقد كان للسياق أثر كبير وبارز في تحديد الزمن في النص اللغوي للحروف والأفعال.
والذي يتتبّع مسألة الفعل في كتب النحويين القدامى يجد أنَّ حدود الفعل هي (أنَّ الفعل حدثٌ مقترن بزمانٍ ما)، يقول سيبويه: «وأما الفعل فأمثلة أُخذتْ من لفظ أحداث الأسماء، وبُنيتْ لما مضى، ولما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينَقطع»، وقد سار الزمخشري على ما سار عليه سيبويه وسلك مسلكه فعرّف الفعل بقوله: «أنَّ الفعل ما دلّ على اقتران حدث بزمان».
أمـَّا ابن يعيش فقد فلسف مسألة الزمن في تفسير تنوّع الزمن، فربط زمان الفعل بالزمن الفلكي، فبيّن ذلك ذاكراً أنَّ الأفعال مساوقة للزمان، والزمان من مقوّمات الأفعال توجد في وجوده وتنعدم في عدمه، انقسمت بأقسام الزمان، ولمّا كان الزمان على ثلاثة أقسام: (ماضٍ، حاضر، مستقبل)، كانت الأفعال كذلك؛ وذلك لأنَّ حركات الأفلاك منها حركات مضت وحركات لم تأتِ، ومنها حركات تفصل بين الماضية والآتية.
«فهذا الرأي لا يُسعف في مسألة الزمن النحوي مع أنَّ هذه النظرة الفلكية أقرب إلى الفلسفة، وإخضاع اللغة إلى العلوم الطبيعية»، إذ يرى الدكتور إبراهيم السامرائي أنَّ سبب التقصير الذي ارتكبه النحويون في أنــَّهم لم يعطوا إيضاحات كافية عن حدود الزمان، إذ يقول: «إنَّ التقصير متأتٍ من منهجهم في البحث النحوي فقد اهتموا بالعلة والعامل وما يترك العامل من أثر، هو ما دعي (بالإعراب)، وكان اهتمامهم بالفعل من حيث كونه عاملاً بل أقوى العوامل يعمل ظاهراً ومقدّراً ومتأخّراً، ومن أجل ذلك لم يُوْلُوا مسألة الدلالة الزمانية حقّها، فما كان على (فعل) ونحوها دال على المضي، وما كان على (يفعل) ونحوها دالٌّ على الحال أو الاستقبال.
ويعزّر هذا الموقف وصحّته أنَّ النحويين لم يلتفتوا إلى دقائق الزمن، فيرى الدكتور تمّام حسّان أنَّ النحويين انصرفوا إلى دراسة الفعل وبنيته ودلالة هذه البنية على الزمن من دون اختبار الأفعال في التراكيب، إذ قال: «إنَّ النحاة درسوا زمن الأفعال على المستوى الصرفي وهي في عزلتها عن التراكيب ولم يختبروا نتائج دراستهم إلا في تراكيب الجملة الخبرية البسيطة، فرأوا الماضي ماضياً دائماً، والمضارع حالاً أو مستقبلاً دائماً، فوضعوا بذلك قواعدهم الزمنية ثــُمَّ اصطدموا بعد ذلك بأساليب الإنشاء والإفصاح فنسبوا وظيفة الزمن إلى الحروف وهي منه براء وإلى الظروف وهي تفيده معجمياً لا وظيفياً».
أي: أنَّ الحروف والظروف خالية من إفادة معنى الزمن قبل التركيب مع أنــَّهم (النحاة) أضفوا عليهما (الحروف والظروف) دلالة زمنية.
ومع القسوة التي يحملها رأي الدكتور تمّام حسّان على كُلّ من أسّس أُصول النحو وضوابطه ووضعها، إلا أنــَّه يفتح لنا أبواباً أُخرى لمسألة ا لفعل وزمنه التي غفلَ عنها النحاة.
الزمان والزمن
يقول الدكتور تمّام حسّان: «إنَّ الزمان كمية رياضية من كميات التوقيت تقاس بأطوال معينة كالثواني والدقائق والساعات والليل والنهار والأيام والشهور والسنين والقرون والدهور والحقب والعصور, فلا يدخل في تحديد معنى الصيغ المفردة, ولا في تحديد معنى الصيغ في السياق, ولا يرتبط بالحدث كما يرتبط الزمن النحوي؛ إذ يعد الزمن النحوي جزءًا من معنى الفعل. فزمان الظرف كما قلنا: هو زمان حدثي فعلين لا فعل واحد، وزمان ما نقل إلى استعمال الظرف من الأسماء هو مفهوم الاسم على طريق المطابقة»، يتبيّن لنا من ذلك أنَّ الزمان دلالة مطابقة للوقت على أن يكون أمراً خاصّاً بالصيغ والتراكيب النحوية، فيستقلّ بالدالة أو الوسيلة اللغوية ا لمعبّرة عن الزمان.