ما هو الزمن
يمكن وصف الكون علميا بأنه ذلك الفضاء الشاسع الذي يحتوي على عدد هائل جدا من المجرات والكواكب وكل الموجودات التي اكتشفها الانسان وتلك التي لم يكتشفها، يمكن أن نطلق على كل الموجودات من مادة وطاقة بالأحداث، وعليه يمكن ان نصف الكون بأنه مجموعة احداث قد حصلت بالماضي بالنسبة الى حاضرنا وقد تحصل حاضرا وربما تحصل في المستقبل فهي تمضي قدما نحو ما يسمى بالمستقبل سواء كان الانسان قد مات او مازال على قيد الحياة، وهذا يعني ان هناك ثلاثة مفاهيم تلازم تلك الاحداث وهي:
• الماضي
• الحاضر
• المستقبل
إن هذه المفاهيم الثلاثة يطلق عليها اصطلاحا بالزمن أو خط الزمن. فما هو الزمن؟ وما هو اتجاهه؟ وهل له بداية؟ وهل يستمر الى ما لانهاية ام يتوقف؟
الزمكان
اختلف علماء الفيزياء وحتى الفلاسفة في إعطاء تعريف دقيق للزمن فالنظرية النسبية تذكر ان الزمن مفهوم نسبي يزداد او يقل حسب طبيعة وحركة الاحداث. فهو دائما مقترن بها فوضعت نظرية الزمكان. لكن ثمة سؤالاً بحاجة الى جواب وهو:
هل أن هذا الكون وبجميع ما يتضمنه من مادة وطاقة ساكن ام متحرك؟، الدراسات الحديثة اثبتت ان الكون يتمدد وهو في توسع مستمر اذن هذا يعني ان له نقطة انطلاق بدأ من عندها التوسع. وهذا امر يقودنا الى ان الزمن له نقطة بداية مقترنة تماما بنشأة الكون وهذا ما تصرح به نظرية الزمكان.
لقد تمكن علماء الفيزياء الفضائية من ان يكتشفوا الاشعاعات الكونية الميكروية القديمة جدا والتي زعموا انها قادمة من الانفجار العظيم، والتي من خلالها استطاعوا تحديد عمر الكون.
لا يهمنا من هذا القول كم هو عمر الكون والذي تم تقديره بحدود 13.7 مليار سنة وفي دراسات أخرى بحدود 11.4 مليار سنة، وبقدر ما يهما ان هناك فعلا زمنا كونيا بدأ لحظة نشأة الكون. فلا زمن قبل النشأة والتكوين، وكل الاحداث الموجودة في الكون لها زمن كوني يبدأ عند لحظة تكوينها.
اتجاه الزمن
تتحرك الأشياء سواء كانت بحركة ذاتية من قبلها ام بفعل فاعل، فيمكنها ان تتحرك الى الامام ويمكنها الرجوع الى الخلف فمثلا الانسان حين يتحرك الى الامام باستطاعته الرجوع الى الخلف، ومثال آخر هو ما يحدث في التفاعلات الكيميائية الانعكاسية، فهل يقترن الزمن باتجاه هذه الحركات؟
لم نسمع يوما أن حدثا ساكنا كان او متحركا قد توقف او تراجع زمنه للخلف، وهذا يعني ان اتجاه الزمن الى الامام دائما فخط الزمن كما ذكرنا هو عبارة عن ماضي وحاضر ومستقبل.
فكيف نثبت أن الزمن بالاتجاه الامامي دائما ولا يمكن له ان يتراجع الى الوراء او الى الماضي؟ وما هي دلائل ذلك؟
تشير الدراسات العلمية الحديثة الى ان الكون في تمدد وتوسع مستمر ويفهم من حركة هذا التوسع المستمر امران وهما:
- أولاً: لا يمكن للكون ولا للأحداث الموجودة فيه بالرجوع الى الخلف باتجاه نقطة البداية.
- ثانياً: إن حركة التمدد تعني انه بدأ من نقطة ثم بدأت النقطة بالتوسع والكبر وبمعنى آخر وحسب مفهوم الفيزياء انه بدأ منطقة أكثر انتظاما ثم أخذ يتوسع وهذا التوسع يجعله اكثر لا انتظاما (يطلق علي هذه الحالة بالانتروبي فالكون وحسب علم الفيزياء يتجه دائما الى اللا انتظام محاولة للوصول الى اكثر استقرارا بمعنى اخر يتجه الكون الى الزيادة في الانتروبي.. اذن حركة الكون التوسعية المستمرة تكون دائما الى الامام فهو يتمدد بشكل دائري.
إن مفهوم الزمكان يعتبر افضل وصف لاقتران الزمن بالمادة او الحدث. فالزمن قرين الحدث لحظة تكوينه (كظل شاخص حيثما كان الشاخص كان الظل) فلا حدث بلا زمانه ولازمن بلا حدث. اذن لمّا كان الزمن مقترن تماما مع نشأة الكون بكل ما يتضمنه من أشياء وحوادث سواء كانت في الماضي او الحاضر او في المستقبل وان الكون في تمدد مستمر ولا يمكن ان يتراجع في أي حال من الأحوال الى الخلف باتجاه نقطة البداية نستنتج من ذلك أن اتجاه خط الزمن سيكون دائما بالاتجاه الامامي ملازما لتمدد وتوسع الكون ولكنه قد يختلف من حدث الى اخر.
وحدة بناء الزمن
يتضح مما سبق ان الزمن عبارة عن مسافة زمنية تفصل بين الاحداث ضمن ما يسمى بخط الزمن قد يتسارع او يتباطأ حسب حركة وطبيعة تلك الاحداث ومن ضمنها المادة و الطاقة بمعنى انه من الممكن ان تقل المسافة الزمنية او تطول . فما هي اقل مسافة زمنية (وحدة زمنية) ممكنة تفصل بين حدثين؟
وضع الانسان وحدات خاصة يقيس من خلالها الزمن واقل وحدة تستخدم في الحياة اليومية الاعتيادية هي الثانية وقد قدر مدتها بأنها تمثل: مدة 9192631770 فترات من الإشعاع الموافق للانتقال بين مستويات ذرة السيزيوم 133.. ثم قسم الثانية الى أجزاء فقد اوجد وحدة تسمى وحدة (تو) وتساوي 1024 مايكرو ثانية (مايكرو ثانية = 0.000001 او 10 اس -6 من الثانية ) وهي اقل زمنامن طرفة العين او لمح البصر اذ أن لمح البصر يقدر بـ 350000 مايكرو ثانية .وفي عام 1988 استطاع الدكتور احمد زويل ان يحصلعلىاقل وحدة لقياس الزمن اطلق عليها فيمتو ثانية femto second وتساوي مليون مليار جزء من الثانية أي تساوي 0.000000000000001 ثانية .وهذا الاكتشاف الأخير يقودنا الى القولانه من الممكن ان تكون هناك وحدة زمنية اقل من الفيمتو .. لم يستطع العلماءفي الوقت الحاضر من تحديد او اكتشاف اقل وحدة زمنية ممكنة في خط الزمن تقترب جدا من الصفر. ذلك لان الزمن مقترن تماما بالحدث وملازم له لا يسبقه ولا يتأخر عنه دعنا نصطلح جزافا عليها بـ(آن) وهذه الآن لا يمكن معرفة مقدارها بالنسبة الى أجزاء الثانية . وخط الزمن او البعد الزمني ما هو الا مجموعة من الآونة فكل (آن) قد سبقه (آن) ثم يجيء بعده (آن) وهكذا تتكون سلسلة تشكل خط الزمن.. فالآن الأولية بدأت مقترنة لحظة بدأ نشأة الحدث.
متى يتوقف الزمن
حسب النظرية النسبية كما اسلفنا فان الزمن قرين الحدث لحظة تكوينه فهما متلازمان تماما ولا يمكن لأحدهم البقاء دون وجود الاخر. وهذا امر مسلم به فكثير من الاحداث والموجودات قد تكونت وأصبح لها زمن وحين انتهت او تلاشت من الوجود توقف زمنها او ما يسمى بعمرها.
فالجنين مثلا وقبل ان يتكون لا زمن له بل انه خارج زمنه ولكن عند لحظة تشكيله بدء زمن حياة الجنين ثم يولد ويكبر والزمن له يتصاعد حيث ما بقي على قيد الحياة وحينما يموت يتوقف زمنه الخاص به.
ويمكن تطبيق هذا المثال على مجمل الكون وموجوداته. هل يتوقف زمن الكون؟ ام يستمر الى ما لا نهاية وللإجابة على هذا السؤال نعيد مرة أخرى ما ذكرته الدراسات حول موضوع تمدد الكون وعلاقته بالانتروبي. هل يستمر تمدد الكون الى ما لانهايةفاذا افترضنا الإجابة بالإيجاب هذا يعني ان انتروبي الكون في ازدياد مطرد، حتى تصل الى قيمة عظمى وعندها تصل جميع الطاقة الكونية الى هذه الانتروبي، وتزداد حالة التشتت الى اقصى حالاتها وتذكر احد الفرضيات ان الوصول الى الانتروبي العظمى يعني ان الكون اصبح في حالة اتزان من حيث الطاقة فلا يمكن أنجاز شغل من قبل الكون فالطاقة توزعت بشكل متساو فلا يحصل انتقال حراري وان العشوائية قد توقفت بمعنى اخر ان الكون قد وصل الى حالة تسمى بالموت الحراري، فهل يتمكن النظام الكوني وبعد وصوله الى هذه الحالة ان يحافظ على شكله وحجمه دون ان ينهار.
مهما اختلفت النظريات العلمية والدراسات في التفسير حول الكيفية التي يصل اليها الكون مستقبلا، إلا انها تتفق تقريبا ان لهذا الكون وأحداثه من نهاية. لكن كيف سينتهي وكيف ينهار يبقى الامر مجهولا لا ان حتمية الانهيار هي الأكثر قبولا. وعليه سيكون جوابنا للسؤال السابق وهو هل يتوقف الزمن؟ نعم سيتوقف الزمن وتختفي اخر (آن) باختفاء آخر حدث من احداث وموجودات الكون ذلك لان الزمن كما اسلفنا قرين للحدث، وبين الـ(آن) الأولى والـ(آن) الأخيرة قصة الكون والحياة المادية.