إن لأسم الفرد مناّ أثراً في شخصيته، ذلك أن هذا الاسم يشكل اول ارتباط بين الفرد والمجتمع. وعندما يدرك الطفل دلالة اسمه، يشعر بارتباط بهذه الدلالة. وقد توجه الاسماء احياناً سلوك الناس، إذ قد يشعر الفرد أن اسمه غير ملائم، او غير مألوف، او مضحك، فيقل اندماجه بالمجتمع، وقد يشعر أن اسمه متميز، فيحاول أن يكون كاسمه.
وخير دليل على تأثير الاسم في نفسية الفرد ما نراه هذه الايام من اقبال كثير من الافراد على تغيير اسمائهم ولو كلفهم ذلك اللجوء الى المحاكم وإنفاق المال في سبيل ذلك.
استقى العرب اسماءهم من مصادر مختلفة:
والباحث في الاسماء العربية يرى ان هناك دوافع وراء معظم هذه الاسماء وان هذه الدوافع تختلف من عصر الى آخر، ومن قبيلة الى اخرى. ويضيق المجال هنا لرصد هذه الدوافع في الاعصر المختلفة، والبيئات المتعددة، ولذلك سيكتفي "مرتوى" بعرض اهمها، ثم سيبين التأثير الكبير للدين الاسلامي في التسمية.
1- التيمن بالله والدين والانبياء والصحابة ورجال الدين الاتقياء واكثر الاسماء، بعد العصر الجاهلي، من هذا القبيل، ومنها:
2- التفاؤل، وهذا الدافع ظاهر في الأعلام التي على وزن (يفعل)، نحو: يعيش ويزيد ويعمر. وكان بعض العرب يستعينون، في قضاء حاجاتهم، بمن له اسماء تشعر بالتفاؤل، ويتطيرون من الذين لهم اسماء تشعر بالتشاؤم. ويروى أن عمر بن الخطاب سأل رجلاً اراد أن يستعين به على عمل عن اسمه واسمه ابيه، فقال: ظالم بن سراقة، فقال عمر: تظلم انت ويسرق ابوك! ولم يستعن به في شيء.
3- التضامن الاسروي، ومن مظاهر هذا التضامن، أن العرب كانوا يسمون بمشتقات مختلفة من اصل واحد لغير فرد في الاسرة، فهم، مثلاً يسمون اولاد الرجل الواحد سالماً وسليماً ومسلماً. واذا كان الرجل اسمه عمر يسمي ابنه عميراً ويسمي عمير ابنه عمران، ويسمي عمران ابنه معمراً. ومن مظاهر هذا التضامن، ايضاً التسمية باسم الجد. وهذه العادة ما زالت منتشرة حتى اليوم. وقد روى ابن يعيش انه، عند ولادة النبي (ص) حضر رجال قريش، وقالوا لعبد المطلب: ما سميت ابنك هذا؟ فقال سميته محمداً. قالوا: ما هذا من اسماء آبائك. قال اردت ان يحمد في السموات والارض. وروي الجاحظ انه كان عنده حارس يكنّى أبا خزيمة، فسأله، عندما اراد معرفة سبب كنيته، هل كان ابوه يسمى خزيمة؟ وربما كان الأب يسمي ابنه باسم جده دون أن يعرف معنى الاسم، بل يختاره لمجرد انه اسم ابيه.
4- إرهاب العدو: لذلك نجد العرب يسمّون باسماء حيوانات مفترسة، نحو: نمر وسبع وثور، وبنباتات مرة او شوكية او كريهة المنظر، نحو: حنظلة وعلقمة وقرظة (شجر له شوك، وكانوا على عكس ذلك، يمسون عبيدهم ونساءهم باسماء حسنة، نحو: بدر ونور وجوهر وقمر. وقال بعض الشعوبية لابن الكلبي: لم سمت العرب ابناءها بكلب او اوس او اسد، وما شاكلها، وسمت عبيدها بيسر وسعد ويمن فقال وأحسن: "لانها سمت ابناءها لاعدائها وسمت عبيدها لانفسها".
5- ما يتوسمونه في المولود من القوة او الشجاع او الدهاء او الخوف، فيختارون له اسم حيوان فيه مثل هذه الطباع، فيسمون الرجل الشديد بالأسد، والسريع الوثوب بالنمر، والفتاة اللطيفة بالغزال او الحمامة، او يختارون له صفةَ يتوسمونها فيه، نحو: نبيه وسريع.
6- حماية الشخص من الحسد والارواح الشريرة والجن ولذلك اختاروا احياناً، اسماءً قبيحة منفرة، نحو: خيشة وحنظلة وغيرها.
7- زمان الولادة وظروفها كالتسمية بخميس وجمعة ورمضان وعيد وحرب.
8- التمثل بالعظماء في السياسة والحرب والعلم والأدب والفن وغير ذلك، بهدف ان يكون المسمون كهؤلاء العظماء في الشهرة، او أن يتخوذهم مثلاً اعلى في الحياة. وقد سمى طلحة بن عبيد الله اولاده باسماء الانبياء، وسمى الزبير بن العوام ابناءه باسماء الشهداء. ومن هذا القبيل ان رجلاً اسمه محمد يسمي ابنه القاسم، او رجلاً اسمه عمر يسمي ابنه حفصاً، او رجلاً اسمه علي يسمي ابنه حسيناً. ومن هنا العادة ان ينادي الناس من اسمه علي "ابا حسين" وبالعكس، ومن اسمه داود ابا سليمان، وبالعكس، ومن اسمه ياسر: ابا عمار وبالعكس، ومن اسمه طه: ابا ياسين وبالعكس، ومن اسمه كاظم: ابا جواد وبالعكس.
9- التقرب الى الحكام، او اظهار الاعجاب بهم عن طريق تسمية الاولاد بأسمائهم.
10- التعويض عن أخ او قريب آخر متوفى عن طريق تسمية المولود الجديد باسمه، ومنهم من يتشاءهم من التسمية باسم المتوفى خشية ان يلحق العوض بالمعوض.
11- الشكوى من كثرة المواليد الاناث في العائلة، كأن يسمي احدهم ابنته الرابعة كفى، والخامسة منتهى، والسادسة ختام.
وثمة بواعث اخرى كثيرة للتسمية، ومنها الوفاء بنذر في عنق احد الوالدين او كليهما او الاستجابة لرؤيا يراها احد الوالدين في المنام، والتعبير عن ظرف الولادة، والأمل بما يريده الوالدان ان يحققه لهم مولودهم، والتناسب الايقاعي لاسماء الإخوة، والتشابه في الصيغة الصرفية، او الحرف الاول من الاسم، او الأخير منه، او الرغبة في ابتكار اسماء جديدة.
ونشير أخيراً الى ان العرب لم يتسموا دائماً باسماء لها معانٍ يقصدونها، بل كانوا احياناً يتسمون باسماء لا يفكرون في معناها، وبخاصة المعربة منها.
ولا شك أن الإسلام عندما احدث تغييراً جذرياً في حياة العرب، أثر كثيراً في بواعث التسمية عند الوالدين، وفي الاسماء نفسها، ويتجلى هذا التأثير في: