كيف تصنع أديبًا ناجحًا؟


الكاتب: أ.د خالد حوير الشمس - - عدد المشاهدات: 715

كيف تصنع أديبًا ناجحًا؟

محتويات


صناعة الأديب ومراحل التخطيط

الأدب صنعة، هكذا يراه القدماء، نقاد العرب، ويقولون عنه صناعة أحيانا، وقد مال القدماء البلاغيون إلى وجود صناعتين أدبيتين، هما: الشعر، والنثر، وقعدوا القواعد لهما، وأجد أن ابا هلال العسكري ت بعد ٤٠٠ هجرية يغنينا في فهم أصول هاتين الصناعتين، وإن كان بنيويًا في حديثه عن الصناعة، وهذا لا يمنع من أنْ نتناول الموضوع من زوايا إضافية. فهي في عصرنا الحالي موضوع يخضع للتصور الإدماجي إذا صح التعبير، وهذا ما يفيده سكوت جيمس في كتابه (صناعة الأدب)، فينتقل بين البناء اللغوي، إلى طريقة إيجاد المهارة .

والصناعة الأدبية لها أصول جمة، من تلك الأصول امتلاك ناصية اللغة. ووجود الموهبة. وحفظ تراث العرب الأدبي، والنقدي، وأقصد بهذه الجزئية حفظ أقوالهم الشعرية، والنثرية، والتشبع بها، والتمعن الدقيق، وتلافي التناص الموجع معها. ومن أصول الصناعة الأدبية احترام الخيال، وتوظيفه، والاهتمام به. فلا يكون الأديب أديبًا إلّا وهو يمتطي خياله؛ ليصل إلى انياب الأغوال. ومن ذلك أيضًا البعد الثقافي، والانخراط الاجتماعي، ومتابعة المحيط بعيدًا عن العزلة، والتأنق بالذات، والانطواء عليها؛ إذ يجب على الأديب أن يمتص الواقع، ويعيد إنتاج الثقافة بصور شعرية، أو بجمل سردية، تجعل خطابه مهيمنًا لا مستهلكًا.

وثمة أسئلة خطيرة أراها في تصوري الشخصي: كيف يصنع الأديب نفسه؟ أم لا يتدخل هو في تلك الصناعة؟ وكم يستغرق؟ ومَن المسؤول عن صناعته؟ وهكذا مما ينضوي في المقولات الفلسفية الخمس: المتى، والأين، والكم، والكيف، ولماذا؟

هل يصنع الأديب نفسه بنفسه؟ هل تصنعه البيئة الثقافية تلقائيا؟ هل من واجب المؤسسات رعايته، واحتضانه، والتخطيط لبناء واقع أدبي ناهض؟ هل من مسؤولية السلطة أن توجد أدبًا، وأدباء؟

وماذا نقول لو وجدنا طورًا يهتم بصناعة نساء الأدب، لا نسويته!!

في حقيقة الجوابات لا يمكن الجزم بهُوية الصانع، ونوعية الصناعة، فقد يعنّ لي الآتي:

- صناعة الأديب لنفسه بنفسه.

- أبوية الأدب، وقد باتت تنقرض في عصر التقانة، إذ لا يروق لشعراء العصر الحديث أن يكون أحدهم مريدًا، وله شيخ كما فعل الصوفية، وقد تنصل عن الجواب الشاعر الذي أحبه سراج محمد يوم سأله محاور نقدي في تكريم له، واحتفاء به في اتحاد الأدباء في ذي قار عن أبويَّة الشعر عنده، وتقاربه في الأداء، والصورة مع أحدهم، ممن سبقه في صنعة الشعر.

- الصناعة المؤسساتية، ولست راضيًا عنها البتة، فليس عندنا خريطة ثقافية، تهتم بتخريج أدباء، وهواة، وهذا الانحدار، والتأخر يعود لجوانب كثيرة؛ منها عدم وجود الوعاة في دكة الإدارة، وعدم وجود المال، واحيانًا قلة العيال.

- الجهود الفردية التي ينماز بها بعض الأدباء؛ اذ يتبنون بعض الأديبات، ويسهرون على صناعة نصوص لهن، ولِقَسمي، هذه صناعة موهومة، ووقتية، لا تقاوم فيها الأديبة معول الأداء حتى! ناهيك عن عدم صمودها أمام سهام النقد.

- الإعلام من أهم وسائل الصناعة الأدبية الحديثة، فكم أديبًا قد اختفى، وغاب بفعل الإعلام؟ وسعى الآخرون إلى تغييبه، فلا يصدِّر نفسه؛ لتعقد الحياة، وصعوبة التوضيح الثقافي، لأننا في عصر الهوس الثقافي الذي لا يصمد فيه إلا قوي الحجة، وكثير الخالات.

باختصار: مفهوم الصناعة الأدبية مفاده تقوية الملكات الأدبية، وتطوير المهارات، وتصدير الشعراء، وكُتَّاب السرد، ولا يكون ذلك إلا بلحاظ موهبة فضلى، ولكني رأيت أدباء بلا موهبة، ديدنهم التكلُف، والتمحُل، والتصنُع، وشتان بين شخص يصنع نفسه، وشخص يتصنَّع...

وإجالة بسيطة في كتاب(الأديب وصناعته) لمؤلفه روي كاودن الذي ترجمه جبرا إبراهيم جبرا، نرى حجم الخطوات التي تصنع الأديب، اذ أولها الإيمان بالأدب، والإيمان بالحياة، فمن المهم أن يكون الشاعر محبًا لنفسه قبل كل شيء، ثم محبًا للمحيط، وهذا ينعكس في مفرداته، وجمله، وخطابه، فنكون أمام شاعر رومانسي، لا عدائي، ولا هجائي، يرى الآخرين ورودًا لا مطايا!! فيجب أن يؤمن الشعراء، والساردون بأنَّ الفن يحرر الإنسان، لا يكبحه.

وثاني خطوات صناعة الأدب، والأديب، النظر إلى الأدب بأنَّه باب من أبواب الوجدان، والمعرفة، وقد تكون هذه الثنائية متناقضة في نظر بعضنا، وفي نظر بعض النقاد، ولكنها تجمع بين تصورين، قديم، وحديث. فلم نعد نعتد بأنَّ الأديب وجداني خالص، بل يجمع بين الاثنين، فسيأتي يوم نستخرج من القصيدة بُعدًا علميًا؛ كما استخرجنا منها بعدًا ثقافيًا، وإنسانيًا، وسياسيًا.

وثالثها موافقة اللغة، والنحو، والنقد، حتى لا يكون معتمًا ذلك الأديب، ومنهارًا حينما يسمع مخالفاته الصياغية، فالأدب تصوير الواقع، وتنجيزه بنمط خيالي.

وشذرة الختام: الأدب صنعة لها أهلها، فليتنح عنها غير أهلها، بل فليشجعوا المؤهلين لتلك الصناعة، ولو أن عود الواو في (فليشجعوا) متروك إليكم. وقد تكون الصناعة مرة للأديب، ومرة منهاجًا نقديًا يكشف خبايا النص، فيجب الالتفات إلى الاثنين، والتخطيط لهما في الوعي الإداري الثقافي، وفي الوعي النقدي، ولا بأس أن يأتي التخطيط على مراحل، وتدرج:

أم الحٌليس لعجوز شهربة ترضى من اللحم بعظم الرقبة

murtawa.com/up/upp/87765590







رائج



مختارات