يتهيأ للسامع إن الصرف والتصريف يكونان بمعنى واحد, ولكن يتميز كل منهما بمعنى مختلف, وهنا سنبين حقيقة كل منهما.
عُرفَّ الصرف بعدة تعريفات, منها: "الصَرف: رَدُّ الشيّء عن وَجههِ, صَرَفهُ يصرفه صَرْفَاً فانصَرفْ, وصَارف نَفسَه عن الشيء: صَرفَهَا عنه. وقولهُ تعَالى: ثُمَ انصَرفُوا؛ أي رجَعُوا عن المكَان الذي استَمعوا فيه", فالصرف هنا قُصدَ به التغيير, ويُعرَّف ايضا أنه بمعنى التوبَة, في القرآن الكريم, ومنهم من يُعرفه مجازاً: "فلان لايُحسن صَرف الكلام: فَضَّل بعضه على بعض. وصُرفَ عن عمله: عُزلَ. وانه ليتَصرف: يحتَال. وفُلان يصطَرف لعيَاله: يَكتَسب".
أمّا اصطلاحاً, فالصَرف هنا يبحثُ في أبنية الكلمات وصيغها, وما فيها من المتغيرات التي لا تغير المعنى, ومنهم من يُعرّفه بقوله:"علمٌ بأصول يُعرَف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب".
والصَرف يُقصدُ به العلم الذي يَدرسُ التغيرات التي تطرأ على أبنية الكلمة وصيغتها من أصالة أو زيادة أو صحة(ديوان الشاب الظريف - دراسة لغوية)أو إعلال أو إبدال أو حذف وغير ذلك, وهو لا يتصل باختلاف المعاني فيها.
وهذا التغيير إمّا أن يكون معنوياً أو لفظياً, أو لغرض علمي أو عملي, فالمعنى العملي يَقصدُ به تحويل الأصل الواحد منها إلى أمثلة متعددة مختلفة, لمعانٍ معينة معروفة لا تحصل إلا بها, مثل اسمي الفاعل والمفعول, واسم التفضيل, والتثنية، والجمع وغيرها.
أمّا العملي فهو العلم بأصول أحوال أبنية الكلمات التي ليست بإعراب ولا بناء, وأهميته يَفيدُ صَون اللسان عن الخطأ في المفردات, ومراعاة قوانين اللغة في أثناء الكتابة.
عَبّر ابن عصفور عن التصريف بأنه أشرف شطري العربية وبأنه أغمضها, فالتصريفُ لغة, هو: "التَقليبُ من حالةٍ إلى حالة, وهو مصدر صَرَفَ أي جعله يَتقلبُ في أنحاء كثيرة, وجهات مختلفة, ومنه: "انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ""وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا", أي جعلناه على أنحاء, وجهات متعددة,أي ليس ضرباً واحداً".
فالتَصريفُ هو تحَويلُ الاسم من المفرد إلى المثنى، مثل: وَلد - وَلدان, أو تحويل الفعل الماضي إلى المضارع أو الأمر, مثل :كَتَبَ - يَكتُبُ - اكتبْ, ويكون موضوعه الألفاظ العربية، ويختص بالأسماء المتمكنة, والأفعال المتصرفة, وما وَردَ من تثنية الأسماء الموصولة, وكذلك أسماء الإشارة, وجمعها وتصغيرها,
وهذا يكون تصورياً لا حقيقياً, وكذلك لا يدخل في الأسماء المبنية مثل: "سيبويه" و"رقاش", ولا الأفعال الجامدة, مثل: "نعم"و"بئس".
نرى في ذلك كله أن الصرف يُشابهُ التصريف في كثيرٍ من الأحوال, فالأول وهو الصرف يَدلّ على التغيير والتوجيه, والثاني وهو التصريف يَدلّ على التقليب كما رأينا سابقاً والتوجيه أيضا.
ونَصّ على موضوع التصريف سيبويه في كتابه، وبذلك أدرك اللغويون كيفية بنائه وما يقتضيه قياس كلامهم بقوله: "هذا ما بَنَتْ العرب من الأسماء، والصفات، والأفعال، غير المعتلة، والمعتلة، وما قيس بين المعتل الذي لا يتكلمون به، ولم يَجِئْ في كلامهم إلا نظيره من غير بابه، وهو الذي يسميه النحويون: التصريف والفعل".
ومن هذا نشير إلى أن سيبويه قد عَرَفَ التصريف أو الصرف ولكنه قد أهمل تعريفه، على الرغم من ذكره القواعد والمسائل الخاصة به.