تأثير الموروث على العقل العربي


الكاتب: جابر اليوسف - - عدد المشاهدات: 359

تأثير الموروث على العقل العربي

الموروث وتأثيره على عقلية الإنسان العربي

التباين والاختلاف في موروث وأثره في بلورة العقلية العربية

تتميز حياة المسلمين عبر مراحل تاريخهم بالتعقيد, فقد اتسمت بالاختلاف والتباين ليس في الآراء فحسب بل في اغلب مسائل العقيدة والحكم والنظم السياسية، والتي انعكست بطبيعة الحال على سلوكية الفرد والأمة بشكل عام.

وعلى الرغم من أن الاختلاف والتباين كما هو معلوم يُعدّ مصدرا مهما في تقوية الأمة فكرياً واجتماعياً وسياسياً ودينياً. إلا أن ذلك لم نجده في حياة المسلمين عبر تاريخهم الطويل، بل أصبح مصدرا لتفريقهم وتشتتهم، حتى أثمرت نتائجه البغض والتناحر والاقتتال فيما بينهم (إذا ما استثنينا بعض الفترات الذهبية التي عاشها المسلمون), الأمر الذي أدى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ضعف الأمة والتلكؤ في ريادتها وقيادتها للأمم الأخرى، أو على اقل تقدير أن تسير مع ركب الأمم المعاصرة لها.

تاريخ حياة المسلمين

لتسليط الضوء على الأسباب والمسببات التي حالت دون استثمار الاختلاف والتباين في تعزيز مكانة الأمة بين الأمم وتقوية أمرها، لابد من تقسيم حياة المسلمين إلى قسمين أساسيين ومؤثرين وهما قسم ديني يتعلق بالعقيدة والإيمان والقسم الثاني سياسي يتعلق بطبيعة أنظمة الحكم.

طبيعة وأنواع أنظمة الحكم التي سادت لقيادة الناس : يمكن تقسيمها الى

  1. دولة الرسول الأعظم (عليه الصلاة والسلام).
  2. دولة الخلافة الراشدة.
  3. دولة الملوك والسلاطين (من دولة بني امية الى وقتنا الحاضر).
  4. دولة الرؤساء بعد فترة الإمبراطورية العثمانية الى يومنا هذا.

ان الدولة عند العرب المسلمين بعد وفاة الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) جاءت قياداتها نتيجة عواطف وليس نتيجة مبدأ ثابت، ويؤكد ذلك ما جاء في تاريخ تنصيب الأمراء والحكام واختلافات الولاء.

فقد كانت عقلية من آلت إليه زمام الحكم وقيادة الناس تتصف بالمزاجية والعاطفية، إذ تتخذ قراراتها وفق ما تمليه العاطفة والمصلحة الشخصية والأنانية، فالحاكم أو الملك يختار من يأتي بعده على ضوء تلك العقلية، والتاريخ يخبرنا بأسس تنصيب الحكام وأسمائهم. وحين تتصف العقلية بهذه الصفات فأنها ستفرز التحجر والانغلاق الفكري بحيث تعتبر كل ما تعتقده هو الاصوب، وتُقرب كل ما يتفق معها وتُبعد كل من يخالفها، مما سبب في خلق تيارات مؤيدة للحاكم ودولته وتيارات معارضه له ولنظام حكمه، وبالتالي يضطر الحاكم إلى مكافئة مؤيديه ومحاربة معارضيه، لتترافق مع أيام حكمه فوضى سياسية (للتغيير) وفوضى فكرية يطرح فيها كل طرف انه الأفضل في قيادة حكم الناس، وهكذا وبمرور الزمن أصبح تاريخ الحكام والملوك مملوءا بإرث ثقيل من الفوضى السياسية والفوضى الفكرية.

سياسة الحكام

لجأ الحكام إلى أطروحات فكرية لإقناع وغسل أدمغة مؤيديهم من جهة وضرب ودحض أفكار وأطروحات معارضيهم من جهة أخرى. ففي عصور المسلمين الأولى كان أهم ما يؤثر ويسيّر حياة الإنسان المسلم في ذلك الوقت هو عقيدته،/ فمرحلة الوحي ومرحلة الخلافة الراشدة إذا ما استثنينا حروب الردة وحروب الفتنة كانت الحياة فيها وعلى وجه العموم تسير وفق أسس ثابتة واضحة المعالم وفق ما يمليه الوحي والسنة النبوية الشريفة حصرا. إلا أن ملوك وحكام الأزمنة التي جاءت بعد مرحلتي الوحي والخلافة الراشدة قد وظفوا من آيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة بما يتوافق مع آرائهم وأطروحاتهم الفكرية لجوانب الحياة المختلفة من اجل توطيد دعائم نظام حكمهم. وان هذا التوظيف قد ساهم هو الآخر وبطريقة غير مباشرة لظهور مدارس متباينة الرؤى والفهم للأصول.عاشت جنبا إلى جنب مع أنظمة تلك الدول بعضها قريب منها ومؤيد لنهجها والبعض الآخر بعيد ومعارض لها، مما اثر تأثيرا سلبيا بشكل مباشر أو غير مباشر على رسالة السماء وعلى الحالة الاجتماعية والدينية للناس، وقبل أن نبين طبيعة نمو هذا التأثير وآلية تفاقمه لابد من تقسيم حياة المسلمين الدينية إلى مراحل حسب نوع وطبيعة نظام الحكم وتوجهاته الفكرية.

حياة المسلمين الدينية

  1. يمكن تقسيم حياة المسلمين من الناحية الدينية إلى:
  2. مرحلة الاجتهاد: وهي المرحلة التي تبلورت ونضجت بعد مرحلة الخلافة الراشدة أو أواخرها.
  3. مرحلة المذاهب الإسلامية والتي ولدت بعد مرحلة الاجتهاد.
  4. مرحلة الاختلافات المذهبية.
  5. مرحلة تسيس الدين والخلافات المذهبية.
  6. مرحلة التشيع والتسنن.
  7. مرحلة الطائفية.
  8. مرحلة التكفير.

بعد فترة الوحي والخلافة الراشدة، وتحول نظام الحكم إلى حكم الملوك، انقسم علماء الأمة في ذلك الوقت إلى قريب محابب ومؤيد للحكم ونظامه والى معارض رافضا له، فالمؤيد يسعى إلى إقناع الناس بشرعية الحكم والطاعة له مستندا على آيات قرآنية وأحاديث نبوية، مفسرا ومؤولا لها بطريقة أو بأخرى، ناكرا أو مغيرا أو مضيفا أو حاذفا أو متقولا لأحاديث نبوية شريفة تدعم نظام الحكم وترفض معارضيه وتدعو إلى جواز قتلهم.

والقسم الآخر من العلماء نأوا بأنفسهم عن التقرب والتواصل مع الحكام لكنهم عارضوا ممارسات الحكم، ورأوا ان يحافظوا على رسالة السماء وسنة النبي عليه أفضل الصلاة والسلام بأمانة وإخلاص ودقة في النقل، ولما كانت مسائل العقيدة قد استقفلت أقفالها وعرف القاصي والداني أحكامها وشروطها فلم يخوضوا بها إلا ما استوجب ذلك ولكنهم أعطوا لعلوم الفقه والأخلاق مساحة واسعة في الاجتهاد على ضوء القرآن والسنة. مما ظهرت اختلافات في الفهم والرأي نتيجة تلك المساحة، وهذه الاختلافات الفقهية ليست خلافات بقدر ما هي ضمن هذه المساحة وهي حالة صحية لأي عقيدة وخاصة العقيدة الإسلامية.

إلا أن أهداف هذه الاختلافات الاجتهادية جاءت بنتائج غير تلك التي يرجى منها، خاصة في زمن حكم بني أمية وحكم بني العباس ومن جاء من بعدهم، فقد وظفوها سياسيا لصالحهم وتوطيد أنظمة حكمهم، ولماذا بني أمية بالذات؟، دعونا نقرأ التاريخ ثم نستقرأ، بفرض أن ما وصلنا منه صحيحا.

بنو هاشم وبنو أمية

كان هناك بطنان كبيران في قريش وذا تأثير قبلي وتجاري، هما بنو هاشم وبنو أمية وقد تميز البيت الهاشمي وأصبح أكثر مكانة من بني أمية وهذه المكانة الكبيرة أثارت حفيظة كبار بني أمية مما أصبحوا على طرفي نقيض حتى ظهر النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهو من بني هاشم فازداد غيضا بني أمية فحاربوه, هم ومن والاهم من العرب لا لنصرة دينهم بل بدوافع الحقد والحسد والبغض من آل هاشم، هذه حقيقة، فعرب الجاهلية لا ينكرون وجود الله (فقبلهم الديانة الموسوية والديانة العيسوية وهي ليست ببعيد وهم على علاقة بشعوب هذه الأديان لا بل أن اليهود كانوا بجوارهم) بل كانوا يجحدون الله، ومالوا بأهوائهم لوضع عقيدة دنيوية تتفق مع طريقة حياتهم فاختاروا الأصنام واعتقدوا بتأثيرها الأخلاقي والاجتماعي مع تعاقب الأجيال، (ذلك لان هناك قاعدة فطرية وهي أن كل إنسان عاقل يبحث عن خالقه فان لم يقتنع بوجوده الملموس يحاول أن يجد وسيلة للتقرب لمعرفة خالقه أو تحسين العلاقة بينه وبين خالقه، وما تلك المحاورة بين نبي الله إبراهيم ونفسه للبحث عن الخالق إلا دليل واضح لكن يبقى مستوى إدراك الإنسان كفيل بالوصول لذلك من عدمه).

إذن بني أمية خاصة وقريش عامة كانت تحارب النبي لدوافع دنيوية فحسب والدليل القاطع هو فتح مكة بعد أن عرفت قريش أن الإسلام ظاهر لا محال وان شوكتهم قد انكسرت استسلموا للأمر الواقع فدخلوا الإسلام باسم الطلقاء فمنهم من حسن إسلامه ومنهم بقى في نفسه شيء من ذلك الحقد على بني هاشم كيف تزعمت العرب لا بل العالم كله.

لكن نواة الحقد لا بد لها من حاضنة كي تنمو وتعيد الذين فقدوا مكانتهم فما هي الحاضنة التي احتضنت هذه النواة وجعلتها في دور السبات لحين أن تأتي الظروف المناسبة.

بعد الفتح دخل الناس الإسلام وتحطمت الوثنية وأصبح الناس في جزيرة العرب يدينون بالدين الإسلامي، وبدأ نظام جديد وعهد جديد، على الناس أن تخضع لقوانين السماء، ثم بدأ عهد الخليفة أبو بكر الصديق (رض) ثم بعده عصر الخليفة عمر ابن الخطاب (رض) بيد أن حاضنة النواة كبرت في السن وهرمت فلا بد من نقلها إلى حاضنة جديدة فتية تتحمل المسؤولية في تحقيق أهداف البيت الأموي، وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان (رض) بدأت النواة تنموا قليلا، فقد استطاعت الحاضنة الجديدة وبحكم قرابتها من الخليفة أن تسيّر الأعمال وتصدر الأحكام باسم الخليفة حتى استمكنت من مسك القرارات وسرعان ما تحولت النواة إلى براعم فأخذت تقرّب البعض وتبعد البعض الآخر حتى أنكر الناس على الخليفة ولم يرضوا عنه، وكانت النتيجة قتل الخليفة عثمان بن عفان. لقد كان مقتل الخليفة فرصة عظيمة لاستعادة ما فقده بنو أمية من مكانة فجعلت من قضية مقتل الخليفة طريقا أو سبيلا لتحقيق ما تريده، خاصة وان الخليفة الجديد أصبح الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه.

بدأ بنو أمية يلملمون شتاتهم ويقربون كل من له موقف معادٍ من بني هاشم بقيادة معاوية بن أبي سفيان .. والذي رفض البيعة لعلي بن أبي طالب.

بدأت براعم النواة تنمو سريعا وأصبح للبيت الأموي قلعة قوية في بلاد الشام تمكنه من محاربة الخليفة الإمام علي بن أبي طالب لا بدافع قتلة الخليفة الشهيد إنما بدافع انتزاع الملك من بني هاشم فقتلة عثمان ليسوا أفرادا معدودين، ولا هم بعيدون عن جيش الشام.

بدأ معاوية ومن وافق موقفه يقاتلوا الخليفة علي بن أبي طالب في معارك الجمل وصفين. لقد كان قتل خليفة ومحاربة خليفة من قبل احد رعيته دلائل الانشقاق والتحارب والتخندق وبداية مرحلة جديدة، مرحلة صراع بين الشرعية المتمثلة بخلافة علي بن أبي طالب واللا شرعية المتمثلة بمعاوية بن أبي سفيان، بعد مقتل الإمام علي بن ابي طالب آل الحكم عمليا إلى بني أمية حين تنازل الخليفة الإمام الحسن بن علي عن الخلافة حقنا لدماء الناس.

سعى الحكم الأموي إلى إقصاء بني هاشم والبيت العلوي. وكل من كان يقف معارضا أو منافسا لهم، ومحاربتهم سياسيا وفكريا، وكانت نتائج هذه السياسة ظهور تيارين بارزين, تيار مؤيد لشرعية نظام الحكم ونهجه الفكري وأطروحاته الاجتهادية وتيار معارض له ومكذب.

وبعد زوال ملك بني أمية ومجي ملك بني العباس، والذين انتهجوا نفس النهج لكن بوجه آخر وبأسلوب مغاير، وكما هو معروف أن الإعلام المعلن أكثر سطوة وانتشارا من الإعلام المستتر، وبموجب ذلك بدأ تثقيف الناس فمنهم درس وفق ما يطرحه الإعلام المعلن واعتقده بل عمل به, ومنهم من درس الإعلام المستتر واعتقده وعمل به، وما بين الاثنين بون شاسع، فتشعب الناس إلى شِعب ومذاهب وكل منهم يدعي انه الأصح والأثبت، فبدأت مرحلة جديدة في حياة المسلمين هي مرحلة المذاهب وتدوين الحديث، وما يميز مؤسسي المذاهب هو ابتعادهم عن التصادم بأنظمة الحكم, فأخذت تبحث عن مسائل العقيدة والفقه والأحكام الشرعية وجمع الحديث، ولما كانت مصادرهم مختلفة ومتباينة فهم أيضا اختلفوا فيما بينهم، فكل مذهب فهم وفسر ما وصل إليه بشكل يختلف عن فهم المذهب الآخر، فألفوا كتبا وفق ما وصل إليهم وما فهموه واجتهدوا فيه او قاسوا عليه، فازدادت أمور المسلمين تعقيدا وغموضا، فأصبح كل مؤسس مذهب له أتباعا ومؤيدين، وابتعد الناس عن السياسة وتركوا الحكام يديروا أمر العباد بما يشاءون واتخذ الناس من كل مذهب مرجعا لهم في عقيدتهم وعباداتهم.

لكن ما يميز هذه المرحلة أن أناسها يتهم بعضهم البعض بالكذب أو الصدق فيقال عن فلان انه صدوق ثقة وآخر يقول انه كذوب، الأمر الذي ساهم في انقسام الناس، حتى ظهرت مذاهب في العقيدة والوجود والقدر وما إلى غير ذلك، أما من جهة السلطة الحاكمة فكانت تقوم بتصفية كل من علا شأنه وأصبحت له مكانة بين المسلمين.

بدأت تتبلور اختلافات المذاهب وتأخذ مسميات جديدة على أساس الإرث المتراكم لديها، فسمي إتباع أهل البيت بالشيعة والآخرون بأهل السنن فظهرت مرحلة في حياة الأمة هي مرحلة التشيع والتسنن.

الدولة العثمانية والدولة الصفوية

بدأ انعطاف جديد في حياة المسلمين وهو استخدام الدين كوسيلة سياسية ضد الآخر، والتي ظهرت معالمها جليا بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية في إيران والتي رأت أن أفضل طريق لاستقلالهم عن الدولة العثمانية هو نشر التشيع بين أهل إيران وبالتالي خلق تمايز بينهم وبين جيرانهم العرب والخاضعين للدولة العثمانية، وبدأت مرحلة جديدة هي مرحلة التشيع والتسنن، والذي من ابرز معالمها التعصب المذهبي.

أحداث التاريخ ربما تتكرر ولكن بسيناريوهات جديدة فمن اجل ان تتحقق أهداف الصفويين السياسية اخذوا نهجا وهو حب ومولاة أهل البيت فبدأوا ومن خلال الإرث العلوي, يؤكدون ويثبتون كل الأحاديث النبوية بحق آل البيت ويتجاهلوا أو ينكروا الأحاديث النبوية التي تخص الصحابة وربما يصفون ويختلقون الكثير من الروايات والأحاديث النبوية بحق أهل البيت، فنسجوا قصصا وحكايات الهبت مشاعر الشيعة ولم يتوقفوا إلى هذا الحد بل بدأوا بحملات ضد أهل السنة وضد الكثير من الصحابة ونعتوهم بأوصاف لا تليق بمكانتهم والهدف من وراء كل ذلك هو زرع روح التعصب المذهبي بين المسلمين وبالتالي زرع روح العداء تجاه عدوهم المتمثل بالدولة العثمانية، لقد كانت الأرض خصبة تماما لزرع كل ما يمكن زرعه من فتن باسم مذهب أهل البيت، والذي ساعدهم في ذلك هو حب ومولاة الشيعة لأهل البيت، فكان الناس تعتقد وتصدق بكل حديث أو رواية، فتحول الحب إلى غلو وتطرف وسخط على صحابة الرسول، بالمقابل قامت الدولة العثمانية بحملة ضد الشيعة فبدأ المتقولون من علمائهم ينسجون من الكلام ويصفون الشيعة بصفات وعناوين، والبعض منهم صنف الشيعة كفارا لا يجوز أكل لحوم ذبائحهم أو الزواج منهم أو الصلاة خلفهم وقد وصل الأمر بهم إلى أن كلام العالم الشيعي لا يعتد او يعتمد عليه وان كان صادقا، بينما اعتمدوا غيرهم من العلماء رغم مناصبتهم لأهل البيت، فنمت وكبرت روح العداء بين المسلمين فأصبح لهؤلاء جوامعهم ولهؤلاء مساجدهم وحسينياتهم وزادت الهوة اتساعا فلم تعد تسمع خبرا او رواية عن أهل البيت عند أهل السنة إلا ما كانت عن طريقهم ولم تسمع خبرا او رواية عن الصحابة عند الشيعة، إلا ما جاءت عن طريقهم.

أخذت الهوة بالتوسع بين الطرفين فبدأ كل طرف (طائفة) ووفق ما تعلمه أو ما قرأه أو ما نقل إليه يشكك في إسلامية (دين) الطرف الثاني ذلك بسبب أن كل طائفة أخذت تطبق تعاليم السماء وفق ما تراه وتعتقد به جازمة انه الأصح، تعتقد أن عباداتها ومعاملاتها واجتهاداتها وفتاواها هي وفق القران والسنة النبوية ... وتتقبل كل حديث أو كلام يتفق مع نظرتها أو مفهومها أو تفسيرها وترفض كل حديث أو كلام أو طريقة العبادة أو اجتهاد أو فتوى من الطائفة الثانية وتعده باطلا لا أصل له..

عصر الاستقلال ونهاية الدولة العثمانية

  • الجانب الديني

مع نهاية عصر الدولة العثمانية وبدء عصر استقلال الدول العربية، بدأ عصر جديد لكنه بنظام سني وبمذاهبه المعروفة رغم أن بعض البلدان فيها طائفة شيعية بعضها يشكل أغلبية وبعضها أقلية بينما ظلت دولة إيران بنظام شيعي، لم يتوقف الصراع السياسي بين البلدان العربية وإيران، وبقيت نظرة هذه الدول لإيران نظرة عدائية بالمقابل اتخذت إيران نفس الموقف العدائي.

أما شيعة الدول العربية فقد مورست ضدهم سياسة التهميش والإقصاء وعدم الاعتراف بمذهبهم كما كانت حريتهم في العبادة مقيدة ومراقبة من قبل السلطات الحاكمة وكتبهم ومؤلفاتهم غير مسموح طبعها او نشرها وكثير من رجالاتهم وعلمائهم قد تم تصفيتهم من قبل السلطات الحاكمة، وبطبيعة الحال لا بد من ردود أفعال تقوم بها هذه الطائفة ضد هذه الحكومات فأخذت تهاجم أو تعارض أو لا تتفق مع أنظمة دولها ولكن بطرق سرية. وبالتالي وجدت إيران أرضا خصبة لنشر أفكارها ونظرياتها وأطروحاتها فتكونت روابط حميمة بين الشيعة العرب والشيعة الفرس.

  • الربيع العربي

كانت للإذاعات ودور النشر والمطابع والمجالس دورا مهم في النشر والتعليم وتثقيف أتباع كل طرف خاصة ما بعد سقوط بعض الأنظمة العربية من قبل الدول الغربية وبدأ مرحلة جديدة في حياة العرب فيما يسمى (الربيع العربي)، حيث بدأ كل طرف يهاجم الطرف الآخر عبر جميع الوسائل المتاحة وينعت احدهم الآخر بالروافض والآخر ينعته بالنواصب، بدأ كل طرف يبحث عن أخطاء الآخر، وبدأ كل طرف يقدم نصوصا تهاجم الطرف الآخر، وبدأ رجال من الشيعة يقدمون للناس نصوصا وأقوالا من كتاب ورجال من أهل السنة تهاجم الشيعة وبدأ رجال من أهل السنة تقدم نصوصا وأقوالا لكتاب ورجال من الشيعة تهاجم أهل السنة والصحابة وأمهات المؤمنين.

بدأ رجال من أهل الشيعة يسبون الصحابة ويطعنون بعرض الرسول وبدأ رجال من أهل السنة يهاجمون الشيعة ويصفونهم باليهود والصفويين والمجوس ، بدأ أهل السنة يخرجون كتبا لبعض الغلاة من الشيعة ليقولوا للناس ان الشيعة غير مسلمين وهم أعداء السنة، هذا هو واقع الحال الذي وصل إليه المسلمين في الوقت الحاضر من الناحية الدينية والعقائدية.

ومن باب الأمل في مستقبل الأمة لابد من القول إن هناك دعاة رغم قلة عددهم قد فهموا وتفهموا حقيقة الأمر فتصدوا بكل قوة لهذه الحالات، فكانوا منصفين في أطروحاتهم وأفكارهم وفهمهم للقرآن وللأحاديث النبوية ففندوا ادعاءات تلك التيارات التي عصفت بالأمة وأدت إلى تفرقتها وانقسامها، وقد أعطوا لكل ذي حق حقه بعيد عن الغلو وكشفوا للناس الكثير من الحقائق الغائبة عنهم والمعتقدات الخاطئة، موقنين أن قوانين السماء التي جاء بها القران هي الأساس القويم في بناء امة، وخلاف ما جاء به القرآن والسنة وما يتوافق معهما فهو مزيف ومختلق وموضوع وبالتالي فهو باطل ومردود ولا يؤخذ به.

  • الجانب السياسي

بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية واندلاع الحربيين العالميتين، وما آلت إليه الأمة من التبعية والاحتلال والاستعمار الأجنبي، ظهرت في الأمة أفكار ورؤى، تدعو بظاهرها إلى الاستقلال والتحرر من الهيمنة الأجنبية

بشكل جمعيات أو أحزاب، بعضها قريبة من الدين أو أنها اتخذت من الدين وسيلة لتمرير أفكارها وتحقيق أهدافها والبعض ابتعد عن الدين ووضع له منطلقات نظرية، بينما آخرون استوردوا لهم أفكارا خارجية.

وحين نضجت الأفكار وتوسعت قواعدهم ظهرت الصراعات الحزبية من اجل السيطرة على السلطة، فحدثت الانقلابات والحروب الأهلية والطائفية في اغلب بلدان العرب، فأصبحت حالة عدم الاستقرار السياسي هي الصفة المميزة لتلك البلدان.

ما آلت إليه الاختلافات من نتائج

إن هذا الإرث الثقيل من عدم الاستقرار والفوضى السياسية والفكرية قد اثر سلبا وبشكل كبير على طبيعة الإنسان العربي وفي سلوكيته وممارسة حياته اليومية والنظرة الى مستقبله، فقد أنتج هذا الإرث المتراكم عبر تاريخ الأمة عقولا تتسم بالتعصب الفكري والمذهبي والازدواجية ورفض الطرف الأخر، وأصبحت تسيّرها الأهواء والنزعات العشائرية والتعصب المذهبي، فتركت قيم السماء ولم تعمل بقوانين الأرض.

كما انه ساهم في خلق عقلية مزاجية تُتخذ القرارات وفق ما تمليه العواطف والميول (الميل لقبول الطرف الآخر وفق مصالح نفعية أو علاقات اجتماعية أو تعصب قبلي أو مذهبي) ومن نتائج هذا الإرث أيضا انه افرز لنا حالات التحجر والانغلاق الفكري لينتهي الأمر بنا الى عقول غير توافقية مختلفة في كل مفاصل الحياة الفكرية والثقافية ونشاطاتها العملية، عقول مقيدة لا تستطيع النهوض والسير مع ركب الحضارة الإنسانية.

ملاحظة: هذا العرض التحليلي هو من وجهة نظر الكاتب قد يتفق أو يختلف معه البعض في التحليل والاستنتاج، ولا يعبر بالضرورة عن رأي إدارة (مرتوى).







رائج



مختارات