التحليل النحوي الزمني والصيغ الصرفية


الكاتب: بتول المالكي -

التحليل النحوي الزمني والصيغ الصرفية

التحليل النحوي الزمني وعلاقته بالصيغ الصرفية

الحروف لا يمكن أن تفيد زمناً وحدها، كما نسب ذلك لها القدماء، وإنــَّما يمكنها أن تحدّد جهة الزمن في الفعل بعدها.

التحليل النحوي للزمن مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصيغ وعلاقاتها داخل التراكيب، وهذه العلاقة تعدّ من أهمّ موضوعات التحليل النحوي؛ لأنَّ النحو نظام تركيبي أفقي، ومجال النظر في الزمن النحوي فيه هو السياق، وليست الصيغة المفردة المنعزلة، أو الحروف وحدها، فلا مفرَّ إذاً من النظر إلى الزمن في السياق نظرة تختلف عمّا يكون للزمن في الصيغة؛ لأنَّ معنى الزمن النحوي يختلف عن معنى الزمن الصرفي، من جهة أنَّ الزمن الصرفي وظيفة الصيغة، والنحوي وظيفة السياق تحدّدها الضمائم والقرائن، ولذلك فالحروف لا تستقل بذاتها بدلالة زمنية، بل تتفاعل مع بقية المؤشرات الزمنية في التركيب النحوي، ومن الصواب أن نعالج مسألة علاقة الحروف بالزمن النحوي عند أبي علي الفارسي والتي تناولها في تعليقته بعناية ودقّة وتركيز للتراكيب التي وردت فيها.

  • صيغة يَفْعَل

صيغة (يَفْعَل) وسياق زمن المستقبل: عنى الصرفيون بهذا البناء من ناحية الضبط البنائي، إذ إنَّ بناء (يفعل) مشتقُّ من بناء (فَعَل)»وهي فكرة مرتّبة منطقياً على أساس من المعنى في نظرهم سوّغوا للمتقدّم والمتأخّر، فالمعنى أسبق من الحاضر، فيكون بناء الماضي، ثــُمَّ يليه البناء الذي يشترك فيه الحال والاستقبال، ويرجح البناء للحال بشكله، ويصرف إلى الاستقبال بقرائن، ومن هنا كان لابُدَّ أن يكون بناء (يفعل) مشتقّاً من بناء (فعل)».

واشترط الزجّاجي في دلالتها على الاستقبال أن يقترن بـ(السين، أو سوف)، إذ قال: «وأمـَّا فعل الحال فلا فرق بينه وبين المستقبل في اللفظ، كقولك: زيدٌ يقومُ الآنَ، ويقومُ غداً... فإن أردت أن تخلّصه للاستقبال دون الحال أدخلت عليه السين أو سوف».

ودلالة (يفعل) على الحال أو الاستقبال كما يقول الدكتور أحمد عبدالستار الجواري: «دلالته على معنى الزمن دلالة مرنة فضفاضة... وقد يُفهم منه امتداد من الماضي إلى المستقبل».

ونخلص من ذلك إلى أنَّ صيغة المضارع (يفعل) لا تفيد زمناً بمفردها، بل تبرز دلالتها عليه عند تسييقها ودخولها في علاقات سياقية داخل التركيب مع ما يجاورها من قرائن ومؤشرات زمنية أُخرى يحدّدها السياق المتمثــّلة فيه.

فالصيغة بشكلها الصرفي في خار ج السياق لا تدلُّ على زمان محدّد، ولا تدلُّ على جهة زمانية في القرب أو البعد، وبذلك يبرز أثر القرائن الحالية أو المقالية، ولأجل ذلك نبدأ بمعالجة السوابق واللواحق واللواصق التي تضام بناء (يفعل) من هنا والحروف ومالها من أثر في التوجيه الزمني عند أبي عليّ الفارسي على النحو الآتي:

الصيغة الضميمية مع يفعل

أوردَ الفارسي الكلمات الوظيفية التي تضام (يفعل) كالآتي:

أوّلاً: (لا + يفعل) = المستقبل المتجدّد القريب (وقد تدلُّ على الحال في قول الشاعر:

تاللهِ يبقى على الأيّام ذو حـِـيَدٍ بمُشمخرٍّ به الظّيّانُ والآسُ

فالأصل في جملة القسم عند النحويين أنــَّها وضعت لتفيد معنى الاستقبال لكنّها في هذا الموضع أفادت الاستمرار في المستقبل؛ لأنَّ تاء القسم متضمّنة للتعجّب، فتكرّر عليها التعجّب (في الفعل)، وإن كان ليس بحجّة.

ففعل المستقبل هو ما لم يقع بعد، ولا أتى عليه الزمان، ولا خرج من العدم إلى الوجود، إذ قال الزجّاجي (377هـ): «إعلم أنَّ أسبق الأفعال في التقدّم الفعل المستقبل؛ لأنَّ الشيء لم يكن ثــُمَّ كان، والعدم سابق للوجود، فهو في التقدّم منتظر، ثــُمَّ يصير في الحال، ثــُمَّ ماضياً فيخبر عنه بالمضي، فأسبق الأفعال في المرتبة المستقبل، ثــُمَّ فعل الحال، ثــُمَّ الماضي».

وفسّر أبو عليّ قول الشاعر: تالله على حذف حرف النفي (لا) فلمّا حذف الحرف عملَ الفعل، وعلى هذا يكون تقدير الكلام، تالله لا يبقى على حوادث الأيّام.

فدخلت الأداة (لا) سابقة لـ(يفعل، يبقى)، وقد أفادت النفي، والمعنى أنــَّه لا يبقى ذو حِيَدٍ والأيّام متعاقبة عليه، وأراد على تعاقب الأيّام أو على مرور الأيّام في المستقبل القادم، وقوله: على الأيّام في موضع الحال من: ذي حِيَدٍ.

فالمستقبل في سياق قول الشاعر مفتوح غير مغلق تماماً كما أنَّ الأيّام باقية وهي حقيقة لا انقطاع فيها، وهي نفي الفعل في المستقبل: لا يبقى، ويدلُّ على ذلك قول الهروي: «واعلم أنَّ (لا) نفيٌ للفعل المستقبل.. فإذا قال القائل: (هُوَ يفعلُ) يعني في المستقبل قلت: (لا يَفْعَلُ)، وإذا قال: (هو يفعلُ) يعني أنــَّه في حال الفعل قلت: (ما يفعلُ)، ولا تقول: (لا يفعل)؛ لأنَّ (لا) موضوعة لنفي الفعل المستقبل لا غير»، ما يدلُّ على أنَّ للصيغة دلالة سياقية مرتبطة بمجالها الزمني في سياق البيت، إذ تظهر دلالتها على الاستقبال غير المحدّد إذ لا تشكّل انفلاقاً زمنياً بل تعطي دلالات متواصلة دلّت عليها حركة الصيغة داخل التركيب.

ويمكن أن نلمس الزمن النحوي من الإشارات الزمنية الأُخرى في سياق البيت والتي خلّصت الفعل معها إلى الاستقبال والمتمثــّلة بقوله (الأيّام) فهي قرينة صرفت زمن (يبقى) إلى الاستقبال، فهي قرينة لفظية بارزة حددّها السياق.

ويتــّضح ممَّا تقدّم أنَّ للسياق الأثر الأكبر في معرفة الصيغة؛ وذلك لتعلّقه بقصد المتكلّم وغرضه؛ لأنــَّه هو المجال الوحيد الذي يتمُّ فيه بناء العبارة زمنيا بما يناسب القصد في إظهار المشاهد التصويرية المبدعة، والزمن كما قلنا غير موكول للصيغة وحدها بل إنَّ السياق بما يحوي من قرائن لفظية ومعنوية يشحن الصيغة بالزمن المناسب.

* لام القسم + الفعل المضارع = زمن الحال المتجدّد الآني

فالسياق في النصّ القرآني الذي استشهد به الفارسي، أفادَ معنى الاستقبال حتماً، وهو قوله تعالى: [ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ] [سورة المائدة، من الآية: 73]؛ لأنَّ الفعل المضارع (يمسّنّ) اقترن بـ(لام القسم) و(نون التوكيد) وهذه إذا اقترنت بالفعل تصرِفُ معناه إلى الاستقبال.

وقد يلمحُ زمن المستقبل من دلالة السياق من دون قرينة لفظية تدلُّ عليه فقوله تعالى: (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا) يعني في الحال، وقوله تعالى: (لَيَمَسَّنَّ) يعني في المستقبل، فـ(إنْ) لمجرّد التعليق، والفعل (ينتهوا) بعدها دلَّ على الحال، فقد يستشفُّ من الفعل ذاته معنى الزمن فضلاً عن القرآن.

* حتــّى + الفعل المضارع = الزمن المستقبل

من الآيات التي وردت فيها (حتــّى) للغاية، وتدلُّ على المستقبل القريب قوله تعالى: [ﯥ ﯦ ﯧ ] [سورة البقرة، من الآية: 214]، فـ(حتــّى) هنا أفادت المستقبل بالنظر إلى الزلزال، لا بالنظر إلى زمنٍ قُصّ ذلك علينا، أمـَّا دلالتها الزمنية مع الفعل المضارع (يقولَ) فقد حُدّدت من قبل بالمستقبل غير المحدد، ففي قوله تعالى: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) لابُدَّ من وجود فاصل زمني يفصل بين الفعل الأوّل والثاني يُعبّر عن تطاول الفعل الأوّل واستمراره ولابُدَّ من أن يكون الفعل الأوّل ماضياً.

* حتــّى + اسم الزمان

مثــّل لها الفارسي بقوله: «سرتُ حتــّى غروبِ الشمسِ» فـ(حتــّى) هنا للغاية، فهي تبيّن تعميم السير، فالجار متعلّق بـ(سرتُ)، و(غروبِ) اسم زمان، و أنــَّه من (فعول) بمعنى (الغروب)، فيحتاج إلى تقدير مضاف قبله وهو (وقت) أو ما في معناه، فيصير المعنى: وقت غروبِ الشمسِ.

فما قدّمنا يدلُّ دلالة واضحة على أنَّ (حتــّى) تدلُّ على الزمن مرّتين: مرةً إذا كانت حرف جرٍّ داخل على اسم، والاسم يتضمّن معنى الزمن، ومرةً إذا جاء بعدها مضارع منصوب. وعلى افتراض صحّة مذهب البصريين الذي يقضي بأنَّ (حتــّى) مختصّة بالأسماء، والمضارع منصوب بـ(أنْ مضمرة) بعد (حتــّى) فيكون على هذا المذهب صارف المضارع إلى الاستقبال (أنْ المضمرة) لا (حتــّى)، والله أعلم.

* أوْ + الفعل المضارع = الزمن المستقبل

إنَّ (أوْ) حرف من حروف العطف لا تؤثــّر في الزمان أو حالته، أمـَّا الناصبة فهي التي تنصب المضارع بعدها بـ(أنْ مضمرة). كما وردت عند الفارسي، إذ علّق على كلام سيبويه عندما استشهد بقول زياد الأعجم:

وكنتُ إذا غَمَزْتُ قَناةَ قَوْمٍ كَسَرْتُ كُعُوبَها أَوْ تَسْتَقِيمَا

أي: أن تستقيم.

فـ(أوْ) في البيت أفادت المستقبل بالقياس إلى ما قبلها، ووقعت في إطار سياق زماني بيّنت فيه حالة من حالات الحدث كالآتي:

كنتُ + إذا + غمزتُ + كسرتُ + أوْ + تستقيما =

ماضٍ بعيد + مستقبل + ماضٍ بعيد + ماضٍ مستمر + حتــّى (إلى أنْ) + مستقبل ماضٍ

ومما يجب الالتفات إليه أنَّ (كانَ) تدل على الماضي البعيد أينما وردت، ولا يفقدها هذا المعنى إلا الإسناد إلى لفظ الجلالة، وذلك لانعدام سريان الزمان عليه، وإنــَّما صلح أنْ نجعل المعنى مستقبل الماضي؛ لأنَّ الشاعر يحكي عن حالٍ ماضية بعيدة، وكأنَّ جملة: (إذا غمزتُ...) حال كانت تتكرّر منه في الماضي.

* لا + الفعل المضارع (جواب الشرط) = نفي الزمن المستقبل

وقد مثــّل لها الفارسي، بقول سيبويه: «أنا واللهِ إنْ تأتني لا آتِكَ«، حُذِفَ آخره بسبب الجزم.

فدخلت (لا) في هذه الجملة على الفعل المضارع، فأفادت نفي الزمن المستقبل، فسيبويه يرى أنَّ (لا) تنفي زمن المستقبل، وتابعه في هذا الرأي أكثر النحويين، إذ قال ابن فارس مؤيّداً لسيبويه: «(لا) صرف نسقٍ، ينفي الفعل المستقبل، نحو: لا يخرجُ زيدٌ)...» أي: الآن، مجملة (لا يخرجُ) أفادت نفي الزمن المستقبل، وذلك انطلاقاً من أنَّ زيداً لا يعلم بما سيحدث له مستقبلاً إذا خرج. إذ قال ابن هشام: «يتخلص المضارع بها للاستقبال عند الأكثرين، وخالفهم ابن مالك؛ لصحة قولك: (جاء زيد لا يتكلم) بالاتفاق، مع الاتفاق على أنَّ الجملة الحالية لا تصدر بدليل استقبال».

وقد تدلُّ على نفي الحال بشرط أنْ لا تقترن بما يصرف معناها إلى جهة زمنية ثانية في السياق الذي تردُ فيه.

* ما النافية + الفعل المضارع = الزمن الحالي المتجدّد

الصيغة الضميمية مع يَفْعَل: تضام (ما) صيغة (يَفْعَل)، وذلك لنفي الحال في قولك: ما يَفْعَل، وهي كما مثــّل لها الفارسي بقوله: (ما زيدٌ منطلقاً).

فـ(ما) هنا تفيد الحال، أي: تنفي وقوع الحدث حالاً في الوقت الحاضر، إذ قال سيبويه: «وأمـَّا (ما) فهي نفيٌ لقوله: هو يفعل إذا كان في حال الفعل، فتقول: ما يفعل» «وإذا قال: لقد فعل فإنَّ نفيه ما فعل. لأنــَّه كأنَّه قال: والَّله لقد فعل فقال: والله ما فعل» فـ(اسم الفاعل) يتعيّن كونه للحال وذلك إذا سبق بأداة نفي مثل (ما، إنْ، ليس)، كما مُثــّل أعلاه.

أمـَّا إذا ضُمّت إليه قرينة، فيدلُّ على الحال أو الاستقبال، والحال أوضح، إذ قال المبرِّد موضّحاً ذلك الكلام: «... فإن جعلت اسم الفاعل في معنى ما أنت فيه ولم ينقطع، أو ما تفعله بعد ولم يقع جرى مجرى الفعل المضارع في عمله وتقديره؛ لأنــَّه في معناه، وذلك قولك زيدٌ أكل طعامك الساعة، إذا كان في حال أكل، وزيدٌ آكلٌ طعامك غداً...»، فالساعة قرينة ظرفية تدلُّ على الحال، و(غداً) قرينة ظرفية تدلُّ على المستقبل القريب.

فخلاصة ما تقدّم يدلُّ على أنَّ اسم الفاعل يدلُّ على الحال أو المستقبل القريب من الحال في أغلب استعمالاته في سياق الجمل.

  • صيغة فَعَل

«وضعت هذه الصيغة في أصلها للدلالة على الزمن الماضي»، إذ يقول سيبويه: « فأمَّا بناء ما مضى فذَهَبَ وسَمِعِ ومِكُث وحُمِدَ»، ثــُمَّ قال: إنَّ الفعل يَتعدّى «إلى الزَّمان، نحو قولك (ذَهَبَ)؛ لأنــَّه بُني لمَا مضى منه وما لم يمضِ، فإذا قال: (ذَهَبَ) فهو دليل على أنَّ الحدث فيما مضَى من الزمان، وإذا قال: (سَيذْهَبُ) فإنــَّه دليل على أنــَّه يكون فيما يُستقبَل من الزَّمان».

الصيغة الضميمية مع (فَعَل): أورد الفارسي الكلمات الوظيفية التي تضام (فَعَل) على النحو الآتي:

أوّلاً: 1 ـ ما المصدرية + الفعل الماضي

تحلّ (ما) المصدرية محلّ (أنْ) في الدلالة على المستقبل، كقول الفارسي: (يعجبني ما صنعتَ)، أي: صنيعُكَ.

فـ(ما) في هذا المثال حلّت محلّ (أنْ) المصدرية في الدلالة على المستقبل.

فالسياق يظهر دلالة تركيب (ما صنعتَ) على زمن الاستقبال، لعدم وجود ضمير يعودُ عليها، وحاجة الفعل قبلها إلى فاعل، أي: يُعجبني صنيعكَ، فدلالة السياق أفصحت عن زمان الاستقبال في صيغة الماضي. فمجيء صيغة (فَعَلَ) دالة على زمن المستقبل يحملُ بين طيّاته سمات دلالية وبلاغية تتعلّق بالغرض النحوي.

2 ـــ ما المصدرية الظرفية + الفعل الماضي (دمتُ) = ما دمتُ

وهي لاستمرار حدثٌ قبلها، كقوله تعالى: "وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا" [سورة مريم، من الآية: 31].

فـ(ما) في النصّ ا لقرآني ظرفٌ يفيد الاستمرار، أي: الاستمرار على إتمام الصلاة وإعطاء الزكاة ما دام حيّاً.

ثانياً: مذ، منذ + الأسماء المشعرة بالزمان = يدلان على بيان حالة الحدث في الزمان

وقد مثــّل لهما الفارسي بقوله:

  1. (ما رأيته مُذْ يومينِ)، أي: ما رأيتهُ مُذْ يومينِ إلى الآن، فـ(مُذ) هنا أفادت ابتداء الزمن الماضي، فبداية عدم الرؤية يومان وهي مستمرة إلى وقت الكلام، وبذلك يكون المعنى للماضي المستمرّ في الحال.
  2. قوله: (لم أرَهُ منذُ عامانِ)، أي: أنَّ مدّة عدم الرؤية عامان، فعدم الرؤية في ذلك المثال استمرّ في الوقت الماضي مدة العامين، لكنّه تحقّق بعدهما، وبذلك يكون الزمان للماضي المستمر المنقطع وقد ربط النحويون بين زمانهما والحالة الإعرابية بقولهم: «الاختيار أنْ ترفع بعدها ما مضى، وأن تجرّ ما أنت فيه، نحو قولك: ما رأيتهُ مذ يومان، والتقدير: بيني وبين لقائه يومان، وقيل: التقدير مدّة فراقه يومان... وتقول: ما رأيتُه مذ عامنا، وتكون حرف جرٍّ، بمنزلة (في)، وهي في الزمن الحاضر بمنزلة (مِنْ) في المكان».

يتــّضح من ذلك أنَّ صيغة (فَعَل)، صيغة فعلية توظّف في السياق لأزمنة مختلفة.

صيغة (افعل) وسياقها لزمن المستقبل

أجمع الصرفيّون على أنَّ بناء هذه الصيغة يدلُّ على فعل الأمر، ولكننا نجدُ خلافاً بين النحويين القدامى، فسيبويه لم يتحدّث عن هذه الصيغة في الدلالة على الزمان، إذ جعل الأبنية اثنين (فعل ــ يفعل) أحدهما بُني لما مضى، والثاني بُني لما يكون ولم يقع، وهو المستقبل، أو لما هو كائن لم ينقطع وهو الحال، أمـَّا السيوطي فقال: «والأمر مستقبل أبداً؛ لأنــَّه مطلوب به حصول ما لم يحصل، أو دوام ما حصل، نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) الأحزاب، من الآية: 1».

أمـَّا الزجّاجي فالمستقبل عنده ليس بفعل، وأيضاً صيغته لا تدلُّ على المستقبل، وإنــَّما هو صيغة يفعل وهي عنده للحال والاستقبال ولا يخلصها لأحدها إلا كلمة غداً أو السين وسوف.







رائج



مختارات