المعاني الدلالية لحرف الواو


الكاتب: بتول المالكي -

المعاني الدلالية لحرف الواو

محتويات

الجمع المطلق


المعاني الدلالية للحرف الاحادي الواو

الواو: حرف عطف، وهي أُمُّ أدوات العطف، وذلك لكثرة استعمالها فيه، وظيفتها في الجملة: تفيد إشراك ما قبلها وما بعدها في الحكم، وفي الحالة الإعرابية، وقد ذكر المرادي للواو خمسة عشر قسماً منها: العاطفة والمعية والاستئناف والقسم والحال وواو رُبَّ وواو الثمانية، ومذهب جمهور النحويين، أنــَّها للجمع المطلق، والتشريك، لأنــَّها لا تخلو أن تعطف مفرداً على مفرد، أو جملة على جملة، فدلالة الواو عند الفارسي تكون للجمع، كما في قوله تعالى: [وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ] [سورة آل عمران/154].

وقد دلّت الواو على وجود طائفتين مختلفتين: الأولى التي هي أصل الصدق والإيمان، والثانية التي جمعتها معها الواو وهي الطائفة التي لا همَّ لها إلا نفسها.

فدلَّ اختلاف الطائفتين اللتين اختلفتا في الإيمان والصدق إلى مطلق الجمع، وقد ذهب الفارسي في دلالتها أنــَّها بيّنت الحال وصفة صاحب الحال؛ لأنَّ المتكلّم يبيّن ويوضّح هيئة وصفة صاحب الحال.

«فوجّهوه على أنــَّه يغشى طائفةً منكم وطائفةٌ في هذه الحال، كأنــَّه قال: إذ طائفةٌ في هذه الحال، فإنــَّما جعله وقتاً ولم يرد أن يجعلها واو عطف هي واو الابتداء»، وتدلُّ على معنى الحال ولكنّها غير معرَّاة من معنى الجمع، ألا ترى أنَّ الحال مصاحبة لذي الحال، فقد أفادت الاجتماع.

فدلالتها على الجمع أعمّ من دلالتها على العطف، والدليل أنــَّا لا نجدها تُعرّى من دلالة الجمع، وإنــَّما تُعرّى من دلالة العطف، ففي قوله تعالى: (يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ)، قد أفادت دلالة الاجتماع.

وقيل: الواو للحال، وقيل بمعنى إذْ، وقال العكبري عن هذه الدلالة أنــَّها ليست بشيء.

وذهب الكوفيون إلى أنَّ دلالتها للترتيب كالفاء عند البصريين إذا دلّ ما بعدها على استحالة الجمع.

الجمع المطلق

وذهب البصريون إلى أنــَّها تدلُّ على الجمع المطلق، أي: أنَّ دلالتها تشريكية بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الذي أُسند إليها، فلا تفيد ترتيباً ولا معيّةً، بل هي صالحة لذلك كُلّه.

ومنهم من يرى أنــَّها تفيد الترتيب مطلقاً، سواء عطفت جملة على جملة أم مفرداً على مفرد.

ممَّا تقدّم يتّضح أنَّ دلالة الواو هي لمطلق الجمع، وقد تدلُّ على المعيّة.

وهو رأي البصريين، أمـَّا الكوفيّون فمذهبهم أنــَّها للترتيب، ورُدَّ بقوله تعالى: [إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ] [سورة المؤمنون: 37]، أي: لا حياة إلاَّ حياتهم، يموت بعض ويولد بعضٌ يذهب قرنٌ ويأتي قرن.

واو القسم:

وهي واو تستعمل بكثرة في القرآن الكريم، تدخل على المقسم به فتجرُّه لفظاً ومعنىً، كقوله تعالى: [والفجر] [سورة الفجر: 1]، ولهذا السبب حُمِلت دلالتها عن دلالة حروف الجرّ، وجعلها النحويون بمنزلة الباء، كقولك: بالله لأفعلنَّ، والتاء كقوله تعالى: [وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ] [سورة الأنبياء: 57].

وذهب الفارسيّ إلى أنَّ الباء أصل حروف القسم وليس الواو، فالباء أصل؛ لأنَّ قولنا: والله فيه إضمار للفظ الجلالة، كأنــَّنا قلنا: به لأفعلنَّ، فردّ الضمير إلى أصله، نحو قولك: أعطيتكمُوهُ، لمن قال: أعطيتكم، فأبدل من الباء الواو، ومن الواو التاء، واستعمل الفعل مضمراً، كقولك: بسم الله، «إنــَّما تجيء بهذه الحروف؛ لأنــَّك تضيف حلفك إلى المحلوف به كما تضيف: مررت به، بالباء إلا أنَّ الفعل يجيء مضمراً في هذا الباب والحلف توكيد».

وحُملت دلالة الواو على دلالة الباء لأمرين: الأوّل: مضارعتها إيَّاها لفظاً فمخرجهما من الشفة، أمـَّا الثاني: فمضارعتها إيَّاها معنىً؛ لأنَّ الباء تدلُّ عل الإلصاق، والواو تدلُّ على الاجتماع، فالشيء إذا لاصقَ الشيء اجتمع معه.

ووافق الرُّمّاني ما ذهبَ إليه الفارسي بأصالة الباء دلالةً في القسم وفرعية الواو.

ولمّا كان الواو عوضاً عن الباء فلا يجوز أن يجتمعا في كلمة واحدة، فلا يُقال: بواللهِ لأفعلنَّ؛ لأنــَّه لا يجوز الجمع بين العوض والمعوّض عنه، فالعوض أدّى الدلالة المطلوبة فانتفت الحاجة إلى دلالة المعوّض عنه، ويلحظُ أنَّ الواو كثــُر استعمالها حتــّى غلبتها، ولذلك قدّمها سيبويه في الذكر.

وانفرد ابن عصفور برأيه وخالف سابقيه ذاكراً أنَّ الواو تدخل على كُلّ مضارع ظاهر يحسن الحلف به، والواو أصل في موضعها لا في الدلالة، وليست بدلاً عن الباء في دلالة القسم، ولا يُصرّح بفعل القسم معها، خلافاً لابن كيسان.

وممّا تقدّم يظهر أنَّ أغلب العلماء جعل الباء الأصل، والواو فرعٌ منها، والدليل ما قدّمه ابن جنــّي من أنــَّها توصل القسم للمقسم به، كقولك: أحلف بالله، كما توصل الباء المجرور إلى المجرور به، كقولك: مررتُ بزيدٍ.

فالباء حرف من حروف الجرّ تدخل على المضمر والمظهر، كقولك: بالله لأَقُومَنَّ، وبهِ لأَقعُدَنَّ، أمـَّا الواو فإنــَّها لا تدخل على المضمر، فنقول: واللهِ لأَضرِبَنَّكَ، فإن أضمرنا قلنا: بهِ لأَضرِبَنَّكَ، ولا نقول: وَهُ لأَضرِبَنَّكَ، فذلك دليل على أنَّ الباء هي الأصل والواو فرعٌ منها.

واو رُبَّ:

لابُدَّ من تحديد دلالة رُبَّ؛ لأنَّ الواو سُمّيت باسمها فيُقال: واو رُبَّ. فذهب الأزهري إلى أنــَّها إنــَّما تستعمل للدلالة على التقليل، وتدخل على النكرة لتقليل دلالة النكرة، ولهذا تُخطئ العامّة في قولها: رُبَّما رأيتُه كثيراً، وسبب الخطأ في ذلك؛ لأنَّ دلالة رُبَّ للتقليل، وذلك ينافي دلالة (كثيراً).

وذهب الزجّاج إلى أنَّ رُبَّ جاءت في قوله تعالى: [رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ] [سورة الحجر: 2]، للدلالة على جواز أنَّ أهوال يوم القيامة تشغل الكفّار عن التمنّي، فدلَّ ذلك على قلّة التمنّي، فوجه التشابه الدلالي بين واو رُبَّ ورُبَّ هو: تقليل دلالة النكرة.

وذهب ابن هشام إلى أنَّ واو رُبَّ لا تدخل إلا على مُنَكَّر، وإذا عُدنا إلى رأي الفارسي وجدناه يرى أنَّ رُبَّ محذوفة في قول الشاعر:

وجداءَ مَا يُرجَى بــِهَا ذُو قَرَابَةٍ لعطفٍ، وَمَا يُخشَى السمَاةُ رَبــِيبُهَا

فهو يرى أنَّ رُبَّ محذوفة في البيت وعوّضت عنها الواو؛ لأنَّ العرب تستعمل واواً غير واو القسم، تدخل على الاسم فتجرُّهُ، وهذه الواو هي واو رُبَّ، كقولهم: وبلدٍ، يريدون: ورُبَّ بلدٍ.

فلا تقع الواو في أوّل الكلام إلا واو رُبَّ، ولهذا تدخل على النكرة الموصوفة وتحتاج إلى جواب مذكور، إمّا لفظاً، وإمّا حكماً، كقول الشاعر:

وبلدةٍ ليس بها أنيسُ إلا اليعافيرُ وإلا العيسُ

وذهب الكوفيون إلى أنَّ واو رُبَّ تعمل في النكرة الخفض بنفسها، فواو رُبَّ ليست عاطفة والدليل على ذلك أنَّ حرف العطف لا يجوز الابتداء به، والشاعر هنا يبتدأ قصيدته بالواو على النحو الآتي:

وبَلَدٍ عَامِيَةٍ أعْمَاؤُهُ كَأنَّ لَونَ أَرضِهِ سَمَاؤُهُ

وذهب البصريون إلى أنَّ الخفض ليس بالواو، وإنــَّما برُبَّ المضمرة بعد الواو.

يتّضح لنا ممَّا تقدّم أنَّ الواو لاحظّ لها في الخفض، وأنَّ الخفض إنــَّما هو برُبَّ مضمرةٍ بعد الواو، فرُبَّ محذوفة والواو دلالة عليها وليس عوضاً.







رائج



مختارات