الوظائف الدلالية لحرف اللام


الكاتب: بتول المالكي -

الوظائف الدلالية لحرف اللام

محتويات

لام الجحود


الوظائف الدلالية للحرف الاحادي اللام

اللام: «حرف كثير المعاني والأقسام»، وقد عدّد الزجاجي في كتابه اللامات نحواً من أربعين معنى، وحصرها المالقي على تشعب معانيها في قسمين: قسم تكون فيه زائدة، وقسم تكون فيه غير زائدة،

1 ـ «تأكيد مضمون الجملة»، كقوله تعالى: [لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ] [سورة الحشر/13]، أي: أنتم أشدُّ مرهوبية، وذلك دلالة على نفاقهم، فهم يُظهرون لكم علانيةً خوفاً من الله، وأنتم أهيب في صدورهم من الله، أي: أنَّ رهبتهم في السرِّ منكم أشدُّ من رهبتهم من الله التي يظهرونها لكم، فاللام هنا حققت وأكدت مضمون نسبة الخبر إلى المبتدأ.

2 ـ «تخليص المضارع للحال»، كقوله تعالى: [إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ] [سورة النحل/124]، أي: أنَّ الحكم في ذلك اليوم لا محالة فنزل منزلة الحاضر المشاهد، فيجازيهم الله جزاء اختلاف أفعالهم في كونهم محلّين تارةً ومحرّمين أُخرى.

فوظيفتها الدلالية عند الفارسي للابتداء أعمّ من كونها للقسم، والدليل، قولك: لعمرُكَ لأفعلنَّ، فهي في هذا الموضع أفادت الابتداء مجرّدةً من معنى القسم؛ لأنَّ القسم لا يُقسم عليه، وإنــَّما تذكر ليحقق به أمرٌ غير القسم.

فالفارسيّ بذلك وافق ما ذهب إليه سيبويه في إفادتها للابتداء ومنع دخولها على الخبر إلا للضرورة الشعرية، كقول الشاعر:

أُمّ الحُليسِ لعجوزٌ شهربهْ ترضى من اللحمِ بعظمِ الرقبهْ

فوافقه على ذلك جمعٌ من النحويين، إلا أبا عبيدة فقد خالفه في مجازه، فأجاز دخولها على الخبر في قول رؤبة (لعجوزٌ) وحمل عليه قوله تعالى: [قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى] [سورة طه/63]، وذلك بإهمال إن المخفّفة والتقدير: أم الحُليس عجوزٌ، هذان ساحران.

ومنهم من يرى أنَّ اللام في بيت رؤبة: أُم الحُليس لعجوزٌ، إنــَّما هي على نية التقديم، والتقدير لأُمّ الحُليس عجوزٌ.

وقد أنكر ذلك الفارسي، كما أنكره تلميذه ابن جني.

2 ـ لام الجحود: وظيفتها توكيد النفي، وتقع بعد (ما كانَ) (لم يكنْ)، سواءٌ أكان مذكوراً، كقوله تعالى: [وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ] [سورة آل عمران/179]، أي: وما كان الله ليؤتي أحداً منكم علم الغيوب، والمعنى: ما كان الله ليعيّن لكم المنافقين حتــّى تعرفوهم، فاللام هنا أدّت وظيفة دلالية أَلا وهي توكيد مضمون النفي، وعملت النصب.

أم مقّدراً، كقول الشاعر:

فما جمعٌ ليغلبَ جمعَ قومي مقاومةً ولا فردٌ لفردِ

أي: فما كان جمعٌ، فجاز هنا حذف كان قبلها.

لام الجحود

ويرى أبو عليٍّ الفارسي أنَّ لام الجحود وأنْ لا يجتمعان، كما لم تجتمع (يا) و(الميم) في (اللهم)، والفعل مع إيّاكَ وزيداً؛ لأنَّ اللام بمنزلة كي في إضمار أن بعدها، فقبح ظهور أنْ بعدها؛ لأنــَّها نقيض فعل لا يكون تقديره تقدير اسم، ولا لفظه لفظ اسم وهو السين وسوف.

فاللام في قولك: جئتُكَ لِتَفْعل، يجوز فيها الوجهان، الإظهار والإضمار، أي: إظهار (أن) وإضمارها بعدها، وقد تأتي (اللام) في موضع لا يجوز إظهارها فيه، كقولك: ما كانَ لِيفْعَل، فصارت أن بمنزلة الفعل في قولك: إيَّاك وزيداً.

فـ(أنْ) بعد هذه اللام مضمرة؛ لأنَّ اللام من عوامل الأسماء، وعوامل الأسماء لا تعمل في الأفعال؛ لذلك جاءت أن مضمرة بعدها، فإذا أضمرت (أن) نصبت بها الفعل، ودخلت عليها اللام؛ لأنَّ (أنْ) والفعل اسم واحد، كما أنــَّها والفعل مصدرٌ، فقولك: جئتُ لأكرمكَ، معناها: جئتُ لأَكرمكَ، كقولك: جئت لزيد، فإن قلت: ما كنتُ لأضربك، معناها: ما كنتُ لهذا الفعل.

فسمّيت لام الجحود بهذا الاسم؛ وذلك لملازمتها النفي والصحيح ينبغي لنا تسميتها (لام النفي)؛ لأنَّ الجحد معناه إنكار ما تعرفه لا مطلق الإنكار.

وذهب الأربلي إلى أنَّ لام الجحود هي التي تدخل على خبر كان الناقصة وما تصرّف منها بشرط وقوعه منفياً بـ(ما) أو (لم)، كقوله تعالى: [وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ] [سورة الأنفال/33]، أي: ما كان الله ليمطر أوليائي بعذاب، وتقييد نفي العذاب بكينونة الرسول فيهم، وذلك إعلامٌ منه بأنــَّه إذا لم يكن فيهم وفارقهم عذّبهم ولكنـّه لم يعذّبهم إكراماً له مع كونهم بصدد من يعذب لتكذيبهم، فانتفاء الإرادة للعذاب أبلغ من انتفاء العذاب، فإذا كان خبر (كان) مثبتاً أو منفياً بغير (ما، لم) لم تكن للجحود.

3 ـ لام اليمين: الداخلة على جواب الشرط على حدّ قول أبي عليّ: «دخلت من أجل اليمين؛ لأنــَّها هي التي يعْتمِدُ عليها القسمُ»، فالوظيفة الدلالية التي أشار إليها الفارسي في النصّ أفادت اليمين، كقوله تعالى: [أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] [سورة المائدة/73]، أي: إن لم ينتهوا عمّا يفترون ويعتقدون في عيسى من أنــَّه هو الله، أو أنــَّه ثالث ثلاثةٍ، أوعدهم الله بإصابة العذاب الأليم لهم في الدنيا بالسبي والقتل، وفي الآخرة بالخلود في النار، وقدّم الوعيد على الاستدلال بسمات الحدوث إبلاغاً في الزجر، فقوله تعالى: (لَيَمَسَّنَّ) اللام فيه جواب قسم محذوف قبل أداة الشرط، وكثيراً ما يجيء هذا التركيب في القرآن الكريم، وقد صحبت (إنْ) اللام المؤذنة بالقسم المحذوف.

ويُقال لها الموطئة للقسم التي تدخل على أداة الشرط، نحو لئنْ أحسنَ إليَّ أحدٌ لأكافأنــَّه، فإن كان القسم مذكوراً لم تلزم، فتقول: والله إن أعطيتني لأعطينّكَ، وإن كان القسم محذوفاً لزمت في الغالب، نحو قوله تعالى: [أَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ] [سورة الحشر/12]، أي: والله لا يخرجونَ معهم إن أُخرجوا.

وقد تُحذف مع فعل القسم، نحو قوله تعالى: [اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ] [سورة الأعراف/23].

وعرّفها ابن هشام بـ«اللام الداخلة على أداة شرط للإيذان بأنَّ الجواب بعدها مبنيٌّ على قسم لا على شرط»، كقوله تعالى: (لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ).

ومن هذا المعنى تُسمّى (اللام المؤذِنَة)، وسُمّيت بـ(الموطّئة) أيضاً؛ لأنــَّها وطّأت الجواب للقسم، أي: مهّدته له.

يتّضح لنا ممَّا تقدّم أنَّ الوظيفة الدلالية التي أدّتها اللام محدّدة تحديداً واضحاً في هذه النصوص، فهي تدلُّ دلالة قاطعة على اليمين، فهذا هو لب المعنى وجوهره بصورة لا يتطرّق إليها الشكُّ، معتمداً بذلك على سياق التركيب الذي وردت فيه.







رائج



مختارات