عرّف المختصون التربية بأنها عملية بناء شخصية متكاملة للفرد، قوي صحيح الجسم والتفكير حسن الأخلاق محبا لوطنه وأمته وتنمية وتطوير قدراته ومهاراته والتي يستطيع من خلالها تحقيق طموحاته المادية والروحية في إطار المجتمع الذي يعيش فيه والتكيّف مع بيئته.
ولا تقتصر التربية على الفرد بل تتعدى إلى المجتمع فالتربية تعد العامل الأساسي لتقوية وشائج المجتمع وتزيد من تماسكه، وقد أثبتت التجارب أن إهمال مبدأ التربية لأي مؤسسة أو تجمع لا يمكن لها أن تحقق أي انجاز تطمح إليه.
إنّ التربية هي العمل المنسَّق المقصود الهادف إلى نقل المعرفة، وخلق القابليات، وتكوين الإنسان، والسعي به في طريق الكمال من جميع النواحي وعلى مدى الحياة،
إنها إعداد الإنسان بحيث تجعله يحسن علاقته مع الله ومع الآخرين وفق ضوابط وقوانين صحيحة تسيّر سلوكه بشكل قويم يبني على ضوئها حياته الذاتية ومستقبله من جهة وان يتوافق ويتعايش مع مجتمعه ويحافظ على بيئته من جهة ثانية.
إن سر نهضة أي شعب تكمن في إيمانه بمبدأ التربية فهي العامل الرئيسي في صناعة العقول وتطويرها وان إهمالها يعني عجز عن تحقيق ما تريده من إنجازات، لذلك فان القادة الإصلاحيين الحقيقيين في أي مجتمع ينبغي عليهم أن يضعوا نصب أعينهم كيفية إعداد وبناء الإنسان فبوجوده ينهض المجتمع والأمر يتوقف على درجة تمكين التربية عند الفرد فبواسطتها يستطيعون من إعداد عقول قادرة على حسن التعامل مع الأهداف الموضوعة وبالتالي تحقيق الغايات التي تعود بالخير للإنسان خاصة والمجتمع عامة.
تكمن أهمية التربية بكونها عاملا مهما في:
أهم ما تهدف إليه تربية الفرد والمجتمع هي:
حين تواصلت السماء بالأرض عن طريق جبرائيل الأمين ونزول الوحي على نبينا وعظيمنا رسولنا الهادي المصطفى محمد بن عبد الله عليه الصلاة وأتم التسليم، كان صلى الله عليه وآله وسلم يجيد فن التربية أيّما إجادة ويتقن فن بناء الإنسان أيّما إتقان فقد ظل يتعهد بتربية أصحابه وتعليمهم وإعدادهم وينمي قدراتهم لا يفصل بين العلم والعمل بين الفكر والسلوك حتى صلبت أعواد الرجال وتشربت في نفوسهم روح ومبادئ النهج والعقيدة فسعد زمانهم ومكانهم وبيئتهم. ولمّا تخلت الأمة عن هذا النهج ذابت شخصيتها وانعدمت هويتها وأخذت تتخبط في مشاكل لا حصر لها بسبب ما فرطت به وتخلت عن ذلك الحصن المنيع الذي بدونه لا تتمكن الأمة من حماية أجيالها ألا وهو مبدأ التربية.
فأهملت مبدأ التربية في مدارسها ومساجدها وجامعاتها ومؤسساتها ودوائرها والبيوت ووسائل الإعلام وغير ذلك من المرافق الحيوية، وتحولت التربية إلى مجرد شعار براق أجوف فتوقفت قافلتها بينما الركب يسير والعالم يتقدم وأصبحت المسافة بينها وبينهم شاسعة و كبيرة وانّا لها الالتحاق وهي قد فرطت لا بل قد وأدت مبدأ التربية.
الأنظمة والحكومات العربية بمختلف مسمياتها لم تول الاهتمام الكبير في تربية الإنسان العربي. لقد أهملوا جانبا مهما في صناعة العقل العربي، وكثفوا جهودهم في تثقيف الناس على مبادئهم ونظرياتهم والالتزام بقوانينهم وأنظمتهم وعدم التجاوز عليها وفق ممارسات الترغيب والترهيب.
وبالتالي كان الفشل في بناء الإنسان العربي وتطوير مفاهيمه الاجتماعية والوطنية والإنسانية فازدادت سلوكية الإنسان سلبا فلم يعد يكترث مثلا بحقوق الآخرين ولم يعد يهتم بالمصلحة العامة إلى آخره من الالتزامات والواجبات التي تقع على عاتقه.
أما المؤسسات الدينية فقد فشل إنتاجها التربوي من خلال برامجها وأطروحاتها الدينية المختلفة والمتقاطعة في اغلب أمور الحياة من إعداد أناس يؤمنون بالتعددية المذهبية والاختلافات الفقهية فأفرزت حالات من التعصب المذهبي والتحجر الفكري ورفض الطرف الآخر فتشتت المجتمع وتمزق وسادت حالة عدم التوافق الاجتماعي بين الناس.
أما بالنسبة للمؤسسات التربوية والتعليمية والتي تعتبر الركيزة الأساسية والمعول عليها في تربية الأجيال يلاحظ المتتبع أنها فشلت هي الأخرى والسبب يعود الى انها لم تمتلك فلسفة تربوية واضحة تكون مسؤولة عن تنسيق وتوجيه العمل التربوي والتعليمي من جميع جوانبه وبطبيعة الحال أدى عدم الوضوح الى انخفاض في كفاية الأنظمة التعليمية للبلدان العربية فكانت المخرجات ضعف وانهيار العملية التعليمية اذا ما تمت مقارنتها بدول أخرى غير عربية . لقد اقترن العمل التربوي في البلدان العربية بالوضع السياسي فنيا وإداريا ومعلوماتيا فالمناهج تتغير وفق ما يتوافق مع سياسات الأنظمة وافتقار المنظومات التعليمية إلى البنية التحتية أو أن بعضها ليست بالمستوى المطلوب، وبالتالي لم تعد المؤسسة التربوية قادرة على بناء الإنسان وإعداده إعدادا سليما.
أما بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني وان كانت أطروحاتها ورؤاها عصرية لكنها هي الأخرى لم تحقق الأهداف المنشودة لأسباب عديدة منها أن:
وختام القول انه إذا أريد بناء إنسان عربي ينبغي على الأنظمة والحكومات العربية اعتماد مشروع تربوي متكامل تشترك فيه مؤسسات المجتمع المدني و المؤسسات المعنية بالتربية جنبا إلى جنب مع المؤسسة التربوية الحكومية دون تقاطع في الأهداف والغايات وفق فلسفة تربوية واضحة المعالم قادرة على تحديد الأهداف والغايات من اجل بناء إنسان متفتح وواعي ومتفاعل مع التغييرات المعرفية والحضارية للنظام العالمي دون ان تتعارض مع ارثه الثقافي وتاريخه ومعتقداته. تهدف هذه الفلسفة إلى تربية الفرد ذاتيا على عدة مفاهيم أهما: