دلالة التنكير والتعريف


الكاتب: د. محمد خضير الزوبعي -

دلالة التنكير والتعريف

ما دلالة التنكير والتعريف؟

من خلال التتبع لإسلوب القرآن العظيم نجد في بعض الأحيان أنّ الإبهام قد يكون مقصودًا، فالقرآن الكريم على سبيل المثال يُورد بعض الكلمات، ولها دلالات خاصة ضمن سياق معين فمثلًا: لا نراها مقصورة على المعنى المتبادر منها في أو الأمر إلّا عندما ننعم النظر والتدقيق في الكلمة نجد أن دلالتها تتسع وأن لها إشعاعات مضيئة توحي بالمعنى الأهم والمقصود الأدق.

وقد يظن ضانٌ أن المعرفة أجلا فهي مِن النكرة أولا، ويخفا عليه أن الإبهام في مواطن خليقٌ وأن سلوك الإيضاح ليس بسلوك الطريق؛ وعلّة ذلك: أن النكرة ليست بمفردها مقدارٌ مخصوص بخلاف المعرفة فإنّها لواحد بعينه يثبت الذهن عنده ويسكن إليه، فالنكرة تأتي ضمن سياقات معينة، والمعرفة تأتي ضمن سياقات أخرى ولمّا كان في الإبهام للتفخيم على سبيل المثال حذفوا صلة الموصول من قولهم: بعد الوتيا... إلى آخره من كلام العرب أي بعد القضية, التي لا يبلغ الخبر مداها ولا يحصل الخبر حلاها وهذا في كتاب البرهان؛ لذلك أبهم الله سبحانه وتعالى أسماء أهل الكهف، وزمانهم، ومكانهم، وقد أجهد المفسرون أنفسهم ليعرفوا أسمائهم، واسم كلبهم، وزمانهم، ومكانهم، ولو أراد القرآن الكريم أن يعرفهم ويحدد مكانهم ويعلِّمنا زمانهم لفعل، ولكنَّ القرآن العظيم أبهم ذلك، وفي هذا بلاغةٌ يقصدها القرآن، فقد يكون الإبهام اسمى مراتب البيان؛ لأنّه لو قال أسمائهم، والأسماء مشخصات مثلًا، فربما قال قائل: هذه الظاهرة لهؤلاء الأسماء بخصوصهم، ولو عيّن القرآن الكريم مكانهم، لقال قائل: ربما كان مكانهم يسمح بذلك، لكنَّ الحق سبحانه وتعالى في كتابه الحق أبهم الأسماء، والزمان، والمكان؛ ليدلّ على أنّ الوصف هو المطلوب، فقال تعالى:﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ سورة الكهف:13.

نتأمل كلمات في كتاب الله تعالى من ناحية التنكير، ومن ناحية التعريف فنأتي إلى كلمة: (حياة)، فلو تأملنا كلمة حياة بصيغة التنكير في سياق الحديث عن اليهود الذين أعرضوا عن الدعوة الإسلامية في قوله تعالى:﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ سورة البقرة:96، فكلمة (حياة) بالتنكير توحي بحرص أولئك اليهود على أن يضيفوا إلى حياتهم ولو عاشوا ما عاشوا حياة زائدة، ولو كان الزائد أقلّ ما يصدق عليه اسم الحياة فوردوها منكّرة يعني: أثارت في النفس تحقير، ودلّ على حياة حقيرة وشدت تكالب عليها من قبلهم، ونرى في مقابل ذلك التنكير التعريف للحياة الآخرة لتفيد هذه الحياة المعرّفة المبالغة في إكبار شأنها وتعظيم أمرها، قال تعالى:﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ سورة العنكبوت:64، فالحياة الدنيا محصورة في اللهو واللعب من باب التشبيه البليغ وقد صوّرت في النفس بعبث الأولاد ولعبهم ساعة من النهار ثم يتفرقون.

وقد قوبلت هذه الحياة الحقيرة بمبالغة في تعظيم الحياة الآخرة بقوله تعالى:﴿ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾، أي: هي دار الحياة الحقيقية إذ لا يعرض الموت والفناء لمَن فيها أو هي ذاتها حياة المبالغة، والحيوان في اللغة مصدر كلمة:(حية)، وقد سُمّي بكل ذي حياة وهو أبلغ من الحياة إذ إنّ في صيغة فعلان معنى الحركة والنشاط، وهما من لوازم الحياة، ولذا اختيرت في المقام المقتضي للمبالغة، وكل مصدر على هذا الوزن مثل: دوران، جريان، سريان، يدل على الاستمرار، كما أورد القرآن العظيم لفظة: (حياة) المضافة لياء المتكلم في مقام يشعر بأهميتها إذ هي الحياة الآخرة الحق الخالدة، فقد حكى الله تعالى عن الكفار يوم القيامة وما يظهر عليهم من حسرة وندم، فقال تعالى:﴿ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى* يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ سورة الفجر:23 و24، فقد نكرّت (حياة) في آية، وعرّفت في آية أخرى، وكان التنكير لغرض، والتعريف لعلّة، ولكلٍ منهما مقام يناسبه وحال يقتضيه.

أسلوب القرآن الكريم

فعندما نأتي إلى أسلوب القرآن الكريم نرى التنكير لغرض، والتعريف لغرض آخر أو لعلّة أخرى، ولكلٍ منهما مقام يناسبه وحال يقتضيه، ونظير ذلك في قوله تعالى:﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ سورة البقرة:179، فتنكير لفظ:(حياة) أفاد التعظيم، وذلك أنّهم كانوا في الجاهلية يقتلون بالواحد الجماعة، كما في أخبارهم وسيرهم يتقاتلون فيما بينهم ويتناحرون فيما بينهم وكان يُقتل بالمقتول غير قاتله فتذور الفتنة ويقع بينهم التناحر، فلمّا جاء الإسلام شرّع القصاص فكانت هذه الحياة فيها الحياة والإنسان إذا علم أنّه إذا قتل قُتل ارتدع من القتل فيسلم هو من القتل وصاحبه من القتل فكان القصاص سببًا في حياة نفسَينِ فهذه الحياة المستقبلة مستفادة من شرعية القصاص.

ونأتي إلى كلمة أخرى، كما قال العلماء في تنكير (أحد)، وتعريف (الصمد) الأمام السيوطي-رحمه الله- سأل عن حكمة في تنكير (أحد)، وتعريف(الصمد) في قوله تعالى:﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ سورة الإخلاص:1-4، فأجاب بقوله: إنّه نُكّر للتّعظيم، والإشارة إلى أنَ مدلوله، وهو الذات المقدسة غير ممكن تعريفها والإحاطة بها، وممّا خطر لي أنَّ (هو) مبتدأ، و(اللَه) خبر، وكلاهما معرفة، فاقتضى الحَصْر، فعرِّفَ الجزآن في: (اللَّهُ الصَّمَدُ)؛ لإفادة الْحَصْر ليطابقَ الجملة الأولى، واسُتغني عن تعريف (أَحَدٌ)؛ لإفادة الحصر دونه، فأتي به على أصله من التنكير، على أنه خبر ثانٍ، وإن جعل الاسْم الكريم مبتدأ، و(أَحَدٌ) خبر، ففيه من ضمير الشأن ما فيه من التفخيم والتعظيم، فأتى بالجملة الثانية على نحو الأولى، بتعريف الجزأين للحَضْر تفخيمًا وتعظيمًا.

كذلك إذا جئنا إلى تنكير كلمة (سلام) وتعريفها، فقد نكّره في تحية الأنبياء، وعرّفه في أماكن أخرى، وقد كان لكلٍ من التنكير والتعريف في النص القرآني الكريم مقام كريم وسر عظيم، كقوله تعالى:﴿ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ سورة الصافات:109، وقوله تعالى:﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ سورة الصافات:79، وقوله تعالى:﴿ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ﴾ سورة الصافات:130، وقوله تعالى:﴿ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ سورة الصافات:120، فقد ابتدأ الله سبحانه وتعالى السلام بلفظ النكرة في كل هذه الآيات الشريفة؛ لأنّ السلام دعاء وطلب، والعرب في ألفاظ الدعاء والطلب إنّما يأتون بالنكرة إمّا مرفوعة على الابتداء، أو منصوبة على المصدر، كقولهم في الدعاء على سبيل المثال على الإنسان: ويلٌ له، ويلًا له، رعيًا له، فجاء سلامٌ عليهم في بدأ التحية بلفظ النكرة، كما جاءت بقية الألفاظ الدعاء عند العرب؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول:﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ سورة الزمر:28، أي: أن القرآن العظيم جاء على وفق أساليب اللغة العربية.

في تلك الآيات الكريمة المتكلم بالسلام هو الله سبحانه وتعالى وسلام منه سبحانه وتعالى كاف من كل سلام ومغنًا عن كل تحية ومقرب من كل أمنية فأدنى سلام منه يستغرق الوصف ويتم النعمة ويدفع البؤس ويطيب الحياة ويقطع مواد العطب والهلاك فلم يكن لذكر الألف واللام هنا معنى، كما يقول العلماء، ولكن تأمل مثلًا قوله تعالى:﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ سورة التوبة:72، فقد جاء بكلمة (رضوان) مبتدأ منكر مخبرًا عنه بأنه أكبر من كل ما وعدوا به من رضوانٍ، فرضوان من الله ولو يسير أكبر من الجنات، وما فيها من المساكن الطيبة، وما حوته من أصناف الملاذ والسعادة إلى آخر كلام العلماء في هذا الجانب.

أما تعريف (السلام) في جانب الرّادي على التحية، حين يقول: (وعليك السلام)، فله سر في التعبير أيضًا، وهو أن الألف واللام إذا دخلت على اسم السلام تضمنت فؤاد منها:

الإشعار بذكر الله تعالى؛ لأنّ السلام المعرّف من أسمائه، وإشعار لفظ السلام المعرّف بطلب معنى السلامة منه تعالى للمسلّم عليه، والألف واللام يلحقها معنى العموم في مصحوبها والشمول فيه، فقول الراد: (وعليك السلام) بالتعريف كأنه يقول: ذاك السلام الذي طلبته لي مردود عليك ولو أتى بالرّد منكّرًا لم يكن فيه إشعار بذلك، ولو قال: (عليك السلام) لصار بمنزلة عليك دين، وذلك يخرج من معنى التحية، كما أن مقامات رد السلام ثلاثة:

مقام فضل، ومقام عدل، ومقام ظلم، فالفضل أن ترد عليه أحسن من تحيته، والعدل أن ترد عليه نظيرها، والظلم أن تبخسه حقه وتنقصه منها، فاختير للرّاد أكمل اللفظتين وهو المعرّف بالأداة التي تكون للاستغراق والعموم كثيرًا.

أمّا تعريف (السلام) في قوله تعالى لموسى وهارون عندما أرسلا إلى فرعون، قال تعالى: ﴿قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى* فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ سورة طه:46 و47، فقول موسى-عليه السلام-:(وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) لفرعون، ليس بتحية حيث إنّه ليس في ابتداء الكلام ولا خاتمته، بل هو خبر محض، وليس دعاء وقد وقع متوسطًا بين كلام موسى وأخيه فهو إخبار محض عن وقوع السلام وحلولها على من اتبع الهدى، وهذا رأي أكثر العلماء.

ففي هذا الكلام السلام المتوسط بين الكلام استدعاء لفرعون وترغيب له بما جملت النفوس على حبه وإيثاره من السلامة وإنّه إن اتبع الهدى جاء به فهو من أهل النجاة، فلما جاء لفظ السلام ليس على سبيل التحية عرّف بالألف واللام في هذا الموضع.

كذلك عرّف لفظ السلام في قضية عيسى- علسه السلام- بقوله تعالى:﴿ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ سورة مريم:33، فليس السلام هنا وارد على سبيل التحية، وإنما هو حاصل من جهة نفسه على جهة الدعاء وإشعار بذكر الله تعالى فإن عيسى- عليه السلام- قصد في دعاءه الرمز إلى ما اشتق منه اسم الله سبحانه وتعالى إذ السلام اسم من أسمائه سبحانه وتعالى مشتق من السلامة، وكل اسم من أسمائه سبحانه وتعالى ناديته به ففيه تعرض لما اشتق منه ذلك الاسم وهو طلب السلامة.

كذلك عندما نقول: يا كريم، يا غفور، ألا تراك لا تقول ذلك إلّا وأنت طالب للرزق والرحمة والمغفرة منه، ومن ثَمَّ كان اختتام الصلاة بالسلام المعرّف باللام؛ لكونه اسمًا من أسمائه كما كان افتتاحها باسم من أسمائه سبحانه وتعالى.

أمّا تنكير كلمة (بلد) وتعريفها من خلال آيات من كتاب الله سبحانه وتعالى، فذكر القرآن الكريم لإبراهيم – عليه الصلاة والسلام- دعوتين دعا بهما، قال في الدعوة الأولى:﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾ سورة البقرة:126، وقال في الأخرى:﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ سورة إبراهيم: 35، فقد جاء ذكر البلد في الآية الأولى منكّرًا، وجاء في الثانية معرّفًا؛ وذلك لأنّ القرآن الكريم يذكر أنّ إبراهيم- عليه السلام- هو الذي أقام البيت الحرام في البلد الحرام وكان ابنه إسماعيل- عليه السلام- يعمل معه في رفع القواعد من هذا البيت إذ ذاك لم يكن هناك غير هذا البناء وقد أصبح منذ ذلك اليوم الموطن الذي يقيم فيه إسماعيل ويأوي إليه فقد تكلّم بالتنكير عندما لم يكن بلدًا وإنما هي أجم، أي: مكان معين، فلمّا أصبح بلدًا تامًّا دعا، فقال:﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾، أي: أنّ دعوة إبراهيم- عليه السلام- الثانية عندما أصبح بلدًا فعلًا حيث اجتمع إليه الناس وبخاصة قبيلة جرهم التي صار إليها إسماعيل، فكانت دعوة إبراهيم لبلد قائم فعلًا هو البلد الحرام، فكان من مقتضى الحال أن يذكر في تلك الحال دعاءً وفي البلد الذي أصبح معروفًا عندما كان فيه الناس وكثر المجتمعون إليه وأصبح بلدًا معمورًا.

كلمة صراط

أما تنكير كلمة (صراط) وتعريفها، فقد قال الله تعالى:﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ سورة الفاتحة:6، يدل على أن المراد: الصراط المعيّن الذي جعله الله طريقًا إلى رضوانه، فلو قال:(اهدنا صراطًا مستقيمًا) لكان الداعي إنّما يطلب الهداية إلى صراط ما مستقيم على الإطلاق وليس المراد ذلك، بل المراد: الهداية إلى الصراط المعيّن الذي نصبه الله تعالى لأهل نعمته وجعله طريقًا إلى رضوانه وجنته ودينه الذي لا دين له سواه، فالمطلوب أمر معيّن في الخارج والذهن لا شيءٌ منكّر والألف واللام للعهد الذهني وهو طلب الهداية إلى طريق معهود قد قام في القلوب معرفته والتصديق به وتمييزه عن بقية طرق الظلال.

ولكن لِمَ جاء الصراط منكرًا في قوله تعالى:﴿ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ سورة الفتح:2، وقوله تعالى:﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ سورة الشورى:52، وقوله تعالى:﴿ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ سورة الأنعام:87، وقوله تعالى:﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ سورة الأنعام:161، والسبب في ذلك والله أعلم، كما ذهب إليه صاحب بدائع الفوائد، هو أن هذه المواضع ليست في مقام الدعاء والطلب وإنما هي في مقام الإخبار من الله تعالى عن هدايته إلى صراط مستقيم وهداية رسوله إليه ولم يكن للمخاطبين عهد به ولم يكن معروفا لهم فلم يجيء معرفا بلام العهد المشيرة إلى معروف في ذهن المخاطب قائم في خلده ولا تقدّمه في اللفظ معهود تكون اللام معروفة إليه، وإنما تأتي لام العهد في أحد هذين الموضعين: أن يكون لها معهود ذهني، أو ذكر لفظي وإذ لا واحد منهما في هذه المواضع فالتنكير هو الأصل والصراط ما اجتمع فيه خمسة أشياء:

أن يكون صراطًا مستقيمًا سهلًا واسعًا موصلًا إلى المقصود، فالعرب لا تُسمّي الطريق المعوج أصلًا صراطًا، ولا الصعب المشق، ولا المسدود غير المُوصّل، ومن تأمل موارد الصراط في لسانهم تبيّن ذلك الكلام، فقال مثلًا جرير:

أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إذَا اعْوَجَّ المَوَارِدُ مُسْتَقِيمِ

وبنوا الصراط على زنة فعال؛ لأنّه مشتمل على سالك اشتمال الحلق على الشيء المصروط وهذا الوزن كثير في المشتملات على الأشياء، كاللحاف، والخمار، والرداء، والغطاء، والفراش.







رائج



مختارات