الفرق بين اللسان واللغة


الكاتب: د. محمد خضير الزوبعي -

الفرق بين اللسان واللغة

محتويات

تعريف اللغة


ما هو الفرق بين اللغة واللسان؟

تعريف اللغة

اللغة: هي كلمة اشتهرت وذاعت، وربّما لها دلالات غير ما كانت عليه، فكلمة:(اللغة) مصطلح بدأ ينمو بدأً من القرن الثامن الهجري، وهي الآن جنس عام يحدد المراد منه إمّا بالوصف مثل: اللغة العربية، أو الإضافة مثل: لغة العرب، وما لهذه الكلمة الآن من ذيول واستفاضة استعمال، في كتاب الله سبحانه وتعالى لا يوجد معنًى لهذا المصطلح الذي الآن نتكلم عليه، وإنّما فيه دلالة أخرى.

فالله سبحانه وتعالى عندما يريد أن يتكلم عن اللغة العربية بمفهومنا فإنّه يذكر ذلك بكلمة (اللسان)، والقرآن الكريم كما يقول أحد العلماء: إنّه إذا هجر لفظًا، أو مادة في الوقت نفسه يؤثر بديلًا عنها لمزايا في ذلك البديل ليس له وجود في المبدل عنه، ولشوائب في المبدل عنه ليس له وجود في البديل.

إذن مصطلح (اللسان) يختلف عن مصطلح (اللغة) تمامًا، وإن كان عندنا اللسان بمعنى: اللغة، واللغة بمعنى: اللسان، ونجد أن القرآن الكريم عَوَدَنا على هجر بعض الألفاظ واختيار بدائل لها، مثلًا الآن في الكلام على اللسان، قال تعالى:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ سورة إبراهيم:4، وقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ سورة النحل:103، وقال تعالى:﴿ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ سورة الشعراء:194 و195، وقال تعالى:﴿ وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ سورة الأحقاف:12، وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ سورة الروم:22.

في هذه الآيات التي ذكرناها وردت كلمة (لسان)، و(لسانًا) على اختلاف أعرافها خمس مرات، ثم جاءت جمعًا في سورة الروم:((أَلْسِنَتِكُمْ))، والمراد منها مفردًا هو اللغة، كما نفهمها الآن.

فمصطلح (اللغة)، أو كلمة (اللغة) ليس لها وجود بالمعنى المراد في كتاب الله تعالى، أمّا في آية الروم فإنّ المراد من (اختلاف ألسنتكم) أمران:

  • اختلاف لغات البشر، كما هو معروف الآن من تعجل لغات بين الأمم، والشعوب.
  • اختلاف كيفيات الأصوات من فرد إلى فرد حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، واختلاف أصوات الذكور عن أصوات النساء لدرجة أن دلالة الصوت على صاحبه تكاد تكون كدلالة وجهه عليه، وذلك من آيات الله سبحانه وتعالى في خلقه، وقلّ أن تجد اثنين يتفق صوتاهما من كل جهة، وفي القرآن الكريم آيات أخرى بعضها يراد منه العضو أو الجارح قطعًا، وبعضها تصلح دلالتها على كل من الصوت والجارحة، والبعض الآخر منها يراد منه: ما هو أخصّ من اللغة، أي: الذكر الحسن، كما في قول إبراهيم- عليه السلام- قال تعالى على لسانه:﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ سورة الشعراء:84.

قال العلماء في هذه الآيات: الاكتفاء بذكر الآيات التي تدل دلالة قاطعة على اللغة بمعناها العام، فـ:(اللسان) هو البديل القرآني عن كلمة:(اللغة) التي لم ترد فيه قط، وطريقة استعمال اللغة بمعنى: اللسان بلاغة، هو المجاز المرسل والعلاقة بينهما آلية؛ لأنّ اللسان هو آلة اللغة وبه تكون، والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي الوضعي لكلمة اللسان في مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾، هو استحالة إرادة العضو أو الجارحة، وهي قرينة حاليّة عقليّة؛ لأنّ القوم لهم ألسنة، لا لسان واحد.

فالآن لو جئنا إلى كلمة(اللغة)، أي: لغى ومفرداتها، كيف جاءت في الآيات الأخرى؟ وقبل أن نتلو الآيات، لا بدّ من التأكيد على أن دلالة (اللسان) على: (اللغة) ذات علاقة حميمة وخالية من كل الشوائب، فعندما نقول: لسان بمعنى: اللغة بالمفهوم القرآني، وهو كلام باعتبارات دقيقة وعميقة، بل ومعدودة من سمات الإعجاز اللغوي البياني.

فلو جئنا إلى كلمة: (لغى) ومشتقاتها، قال تعالى:﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ سورة فصلت:26، وقال تعالى:﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ سورة المائدة:89، وقال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ سورة المؤمنون:3، وقال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ سورة الفرقان:72، وقال تعالى:﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ سورة القصص:55، وقال تعالى:﴿ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ﴾ سورة الطور:23، وقال تعالى:﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا* إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾ سورة الواقعة:25 و26، وقال تعالى:﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ سورة مريم:62، وقال تعالى:﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا﴾ سورة النبأ:35.

فمن خلال هذه الآيات الكثيرة، نجد أنّ أقرب الألفاظ في القرآن الكريم إلى اللغة، هو لفظ: (لغو)، وقد جاء هذا اللفظ في القرآن عنوانًا على نوع من الكلام، وهذا يجعل الصلة بين(اللغة)، وبين:(اللغو) صلة قوية من جهة اللفظ، لا من جهة المعنى، فمن حيث اللفظ فقد اشتركا في أصلين, هما:(اللام، والغين)، ومن جهة المعنى، فإن كلًا منهما عنوان على نوع الكلام، ومع هذا التقارب فإنّ القرآن الكريم استعمل (لغو) في مقام الذم حينًا، وهو الغالب، وفي مقام ما لا يعتدّ به من الكلام حينًا آخر، وهذا في سياق الحديث عن الأيمان من حيث انعقادها أو عدم انعقادها، ويجمع الأمرين وصف واحد، هو السقوط وعدم الاعتداد، وحول هذا المعنى يدور تعريف (اللغو) في معاجم اللغة، فاللغو من الكلام ما لا يعتدّ به الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى: (لغى)، وهو صوت العصافير، ونحوها من الطيور، وقد يسمّى كل كلام قبيح: (لغوًا)، وهذا ما ذكره الإمام الراغب الأصفهاني- رحمه الله-، وأفاد منه العالم الكبير الدكتور عبد العظيم إبراهيم محمد في كتابه: دراسات جديدة في إعجاز القرآن، إذ ذكر مناهج تطبيقية في توظيف اللغة.

إذن يتبيّن لنا في وضوح لماذا استعمل القرآن كلمة: لسان للدلالة على ما يسمى الآن: اللغة، ثم لماذا هجر القرآن الكريم كلمة (اللغة)؟ لأن ذلك قائم على اعتبارات دقيقة فكلمة لغة، كما تقدّم قريبة الشبه بكلمة لغو، حتى قال بعض اللغويين: أنّ اللغة مشتقة من: اللغو، وقد حذف منها الواو، ثم عوض عنها الهاء.

وقد ظنّ القرآن الكريم أن يسمّي البيان: لغة لِمَا تقدّم؛ لأنّ البيان نعمة من نعم الله تعالى العظمى، وقد قرنه في كتابه وهو يمدح ذلك بنعمة الخلق وتعيين القرآن الكريم، فقال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُعَلَّمَ الْقُرْآنَخَلَقَ الْإِنْسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ سورة الرحمن:1-4، وصونًا لهذا البيان من كل شائبة أطلق القرآن الكريم مصطلح (اللسان) بدلًا عن: (اللغة) في الآيات التي ذكرناها آنفًا.

فالمنهج القرآني في (اللسان)، نستطيع أن نبينه بما يأتي:
  1. قال العلماء: اللسان في لغة القرآن، هو العنوان الأثير في الدلالة على البيان الإنساني بكافة شُعَبِهِ ومستوياته.
  2. يأتي اللسان في لغة القرآن للدلالة القاطعة على ما تواضع الناس في تسميته لغة الآن، ويأتي أحيانًا محتملًا لهذه الدلالة مع احتمال آخر للدلالة على الجارحة أو العضو على النطق، مثل قوله تعالى:﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي﴾ سورة طه:27، وأحيانًا أخرى يدل دلالة قاطعة على الجارحة في مثل قوله تعالى:﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ سورة القيامة:16.
  3. العلاقة بين اللسان، واللغة، كما هي الآن علاقة آلية معروفة في المجاز المرسل أحد قسمي المجاز اللغوي.
  4. يأتي اللسان في لغة القرآن في بعض المواضع كناية عن ضعف التباطؤ بينما يعتقده القلب وما ينطق به اللسان، قال تعالى:﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ سورة الفتح:11.
  5. يأتي للدلالة على كيفية النطق الفردي ووضوح الأداة، قال تعالى على لسان موسى – عليه السلام-:﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ سورة القصص:34، إذ ليس لهارون لغة غير لغة موسى- عليهما السلام-، بل المراد في هذا الموضع استقامة لسان هارون في النطق وطواعيته في الأداء.
  6. كناية عن الحُبسة وامتناع الكلام ولا ينطلق لساني.

أما المنهج القرآني في:( لغى يلغو):

  • استعماله في أغلب الكلام الساقط والألفاظ البذيئة والثرثرة العشواء واللقط الفارغ.
  • استعماله نادرًا في الإعذار وترك المؤاخذة في كل كلام عفوي غير مقصود وهذا في لفظ اليمين والطلاق وما إلى ذلك.
  • تصويره تصويرًا منفّرًا ومدح العازفين عنهم مع الإشارة مرات إلى خلو دار النعيم منه لِما فيه من إثمٍ وقُبح.
  • بيان أنّه بضاعة الحمقى من أعداء الرسالات واتخاذهم منهم وسيلة شيطانية للتشويش على الرسالات، وعلى الحق والغض من شأن الرسالة.
  • الظن بالبيان يعني: أن يكون لغو عنوانًا له؛ لشرف البيان وحقارة اللغو.
  • مناظرته بالإثم والكذب وكفى بذلك دمًّا ووضاعة.






رائج



مختارات