دلالات الفحوى والإشارة


الكاتب: د. محمد خضير الزوبعي -

دلالات الفحوى والإشارة

دلالات الفحوى والإشارة

دلالة النّص

وهي المعنى الحرفي للنّص، فدلالة العبارة: هي دلالة الصيغة على المعنى المتبادر فهمه منها المقصود من سياقها، سواء أكان مقصودًا من سياقها أصالة أو مقصودًا تَبعًا.

وأمثلة هذا لا تحصى، ومثاله قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ سورة البقرة:275. وهذا النّص تدل صيغته دلالة ظاهرة على معنيّين كُلّ منهما مقصود من سياقه، أحدهما: أنّ البيع ليس مثل الرّبا، وثانيهما: أن حكم البيع الحِلّ، وحكم الرّبا التّحريم، فهما معنيان مفهومان من عبارة النّص، ومقصودان من سياقه، ولكنّ الأوّل مقصود من السياق أصالةً؛ لأنّ الآية سيقت للرّد على الّذين قالوا:﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾، والثّاني مقصود من السياق تَبعًا؛ لأنّ نفي المماثلة استتبع بيان حكم كُلّ منهما حتى يُؤخذ من اختلاف الحكمين أَنّهما ليسا مِثلَينِ، ولو اقتصر على المعنى المقصود من السياق أصالةً لقال: وليس البيع مِثلَ الرّبا.

وكذلك نجد أنّ فيه إشارة إلى أنّ المشركينَ لشدّة تأصّل الرّبا عندهم، قالوا: (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا)، أي: جعلوا الرّبا أصلًا وجعلوا البيع فرعًا.

إشارة النّص

المُراد به بما يُفهم من إشارة النّص المعنى الّذي لا يتبادر فهمه من ألفاظه، ولا يُقصد من سياقه، فهو مدلول اللّفظ بطريق الالتزام؛ ولكونه معنًى التزاميًا وغير مقصود من السّياق كانت دِلالة النّص عليه بالإشارة، لا بالعبارة.

وقد يكون وجه التّلازم ظاهرًا وقد يكون خفيًّا قد يحتاج فهمه إلى دقة نظر ومزيد تفكير، وقد يُفهم بأدنى تأمّل، ومثاله قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ سورة البقرة:233.

يُفهم من عبارة هذا النّص أنّ نفقة الوالدات من رزقٍ وكسوةٍ واجبة على الآباء؛ لأنّ هذا هو المُتبادر من ألفاظه المقصود من سياقه، ويُفهم من إشارته أنّ الأب لا يُشاركه أحد في وجوب النفقة لولَدِهِ عليه؛ لأنّ وَلَدَهُ لَهُ لا لِغيرهِ، وأنّ الأب لَهُ عند احتياجه أن يتملك بغير عوضٍ من مال ابنه ما يَسدُّ به حاجته؛ لأنّ وَلَدَهُ لَهُ فمالِ وَلَدَهُ لَهُ، وإنّما فهمت هذه الأحكام من إشارة النص لأنّ في ألفاظ النّص نسبة المولود لأبيه بحرف اللام الذي يفيد الاختصاص﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ﴾، وهذه الأمور فُهمت من الإشارة، لا من العبارة.

دِلالة مفهوم المخالفة

وهو أن يكون المسكوت عنه مخالفًا لحكم المنطوق، ويُسمّى أيضًا: دليل الخطاب، وتنبيه الخطاب، ولحن الخطاب، ومثاله قوله تعالى:﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ سورة الحجرات:12. فمفهوم المخالفة يقرر أنّ بعض الظن لا يكون إثمًا.ومفهوم المخالفة له فروع منها:

  • مفهوم الصّفة.
  • مفهوم الشّرط.
  • مفهوم الغاية.
  • مفهوم الحصر.
  • مفهوم الاستثناء.

ويمكن التّمثيل لهذه الخمسة بسهولة عن طريق الرجوع إلى كتب هذا الفن.

دِلالة الاقتضاء

وهي دِلالة مأخوذة من النّص بمعونة مقتضًى زائد عن عبارة النّص استلزمته صحة المعنى، فالنّص من هذه النّاحية فيه نوع من الحذف أُعتمد فيه على فطنة السّامع، إلّا أنّ المعنى لا يستقيم إلّا بإعادة هذا المحذوف لفظًا أو تقديرًا.

ومثاله قوله تعالى: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ سورة البقرة:93. فإنّه يستحيل فهم هذا النّص على أساس مجرد ألفاظه؛ لأنّ العِجلَ لا يُشرَب في القلوب ولو على سبيل الاستعارة، وإنّما الّذي يُشرَبُ في القلوب على سبيل الاستعارة هو حُبّ العِجل.

ومن أمثلة ذلك أيضًا قوله – صلّى الله عليه وسلّم-: ((إنّما الأعمال بالنِّيات)).

هل هو صحة الأعمال أو ثواب الأعمال، فاتفقوا على وجود مقتضًى ولكنهم اختلفوا في لفظه، وهذا من سعة العربية ودلالاتها العميقة.







رائج



مختارات