أحيانا تخالج الإنسان تساؤلات قد لا يجد لها جوابا، ومنها لماذا بعث الله سبحانه وتعالى الرسل الى الناس؟ بينما قدرته وإرادته أعظم بأن يوحي لكل إنسان بما يريده سبحانه دون أن يبعث رسولا يختص برسالته، ولماذا كان الرسول بشراً وليس مَلَكاً، لماذا لم يرسل ملائكته للبشر؟
إن الله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء حكيم يفعل ما يشاء بلا سبب أو روية أو استشارة أو آلة، إرادته أن يقول للشيء كن فيكون، فقد شاء الحق أن يخلق ملائكته بعقل مسيّر قسري معصوم من الخطأ وان يخلق الجن والإنس بعقل مخيّر غير معصوم من الخطأ (إذا ما استثنينا من خصّهم بالعصمة).
فالملائكة عليهم السلام يمكن مخاطبتهم وتبليغ رسالته أو أوامره اليهم جلت قدرته (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73). صدرت الأوامر وتم التنفيذ.
إلا أن هذه الأوامر لو صدرت مباشرة منه سبحانه لعقل مخيّر سيحتمل الأمر إما القبول والتنفيذ وإما الرفض، ورفض الأوامر الإلهية تعني التحدي والكفر كما حدث ذلك مع إبليس.
إذن فقد رحمنا الله بان أوامره لم تأت إلينا منه سبحانه مباشرة لأنه سيلزمنا الحجة كوننا قد عرفنا الله من خلال تجليه لنا نحن البشر، ولو أراد لفعل سبحانه ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ) (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين).
هذا من جانب ومن جانب آخر حين يخاطب الحق سبحانه كل نفس ففي هذه الحالة تكون قد توقفت خاصية الاختيارية لعقولنا وتحولت إلى عقول مسيّرة وقسرية وهو أمر ينافي وطبيعة العقل الاختيارية التي شاء الله أن يجبل عقولنا بها (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا).
أما لماذا لم يرسل ملائكته بهيئة بشر فذلك كرم منه سبحانه لبني البشر حين خصّ رسولا له من جنسهم وذلك ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به (قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
مع ذلك نجد المعترضين لإرسال الرسل من بني البشر يعتبرونه أمرا قبيحا (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ إِنّكُمْ إِذاً لّخَاسِرُونَ)، (فَقَالُوَاْ أَبَشَراً مّنّا وَاحِداً نّتّبِعُهُ إِنّآ إِذاً لّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ) ويقترحون أن يبعث ملائكة بدلا عن البشر يعاينوهم ويشاهدوهم، (وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا)، (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً).
ويمكن أن نرد على اقتراحهم هذا من عدة وجوه
وعليه، فإرسال الرسل من البشر امر ضروري لكي يتمكن الناس من مخاطبتهم والتفقه والفهم منهم ولو بعث الله سبحانه ملائة لما أمكن ذلك (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولاً قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً).
إن الذين يسكنون الأرض هم بشر فرحمة ربك وحكمته تقتضي أن يكون رسولهم من جنسهم (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ).
لكن لو شاء الله أن يرسل رسولا ملكا لبني البشر وان يجعله رجلا. (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مّا يَلْبِسُونَ ) ولو كان كذلك لألتبس الأمر عليهم بسبب كونه في صورة رجل، فلا يستطيعون أن يتحققوا من كونه ملكاً، فلا فائدة من إرسال الرسل من الملائكة على هذا النحو، من جهة ومن جهة أخرى لا يحقق الغرض المطلوب، لكون الرسول الملك لا يستطيع أن يحس بإحساس البشر وعواطفهم وانفعالاتهم وإن تشكل بأشكالهم.