ورد في لسان العرب: "رقم: الرَّقْمُ وَالتَّرْقِيمُ: تَعْجِيمُ الْكِتَابِ. وَرَقَمَ الْكِتَابَ يَرْقُمُهُ رَقْمًا أَعْجَمَهُ وَبَيَّنَهُ. وَكِتَابٌ مَرْقُومٌ أَيْ: قَدْ بُيِّنَتْ حُرُوفُهُ بِعَلَامَاتِهَا مِنَ التَّنْقِيطِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: كِتَابٌ مَرْقُومٌ كِتَابٌ مَكْتُوبٌ وَأَنْشَدَ:
سَأَرْقُمُ فِي الْمَاءِ الْقَرَاحِ إِلَيْكُمْ... عَلَى بُعْدِكُمْ إِنْ كَانَ لِلْمَاءِ رَاقِمُ
وَالْمِرْقَمُ: الْقَلَمُ. يَقُولُونَ: طَاحَ مِرْقَمُكَ أَيْ: أَخْطَأَ قَلَمُكَ وَالْمُرَقِّمُ وَالْمُرَقِّنُ: الْكَاتِبُ. وَالرَّقْمُ الْكِتَابَةُ وَالْخَتْمُ، وَكِتَابٌ مَرْقُومٌ أَيْ: قَدْ بُيِّنَتْ حُرُوفُهُ بِعَلَامَاتِهَا مِنَ التَّنْقِيطِ.... وَفِي الْحَدِيثِ: كَانَ يَزِيدُ فِي الرَّقْمِ أَيْ: مَا يُكْتَبُ عَلَى الثِّيَابِ مِنْ أَثْمَانِهَا لِتَقَعَ الْمُرَابَحَةُ عَلَيْهِ أَوْ يَغْتَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي..... وَفِي الْحَدِيثِ: كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ الصُّفُوفِ حَتَّى يَدَعَهَا مِثْلَ الْقِدْحِ أَوِ الرَّقِيمِ. الرَّقِيمُ: الْكِتَابُ، أَيْ: حَتَّى لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا كَمَا يُقَوِّمُ الْكَاتِبُ سُطُورَه."(١).
الترقيم" هو وضع رموز مخصوصة في أثناء الكتابة، لتعيين مواقع الفصل والوقف والابتداء وأنواع النبرات الصوتية والأغراض الكلامية، في أثناء القراءة"(٢).
ولم تكن علامات الترقيم متداولة عند العرب، فقد كانت الكتابة العربية بدون فواصل، وكذلك بدون نقط للحروف، بعدها بدأت مرحلة تنقيط الحروف، و ظلّت الكتابة بلا فواصل حتى عهدٍ ليس ببعيد، بعد ذلك بدأت تنشأ التداخلات بين الجمل و بين أجزاء الجمل بعضها البعض، وحصول أنواع من اللبس في فهم المعنى والكلام، حتى جاء العلامة " أحمد زكى " و رأى تواجد علامات الترقيم في كتابات الغربيين، وخلو الكتابات العربية منها، وفى العام ١٩١٢ كان الوقت قد حان للانتفاع بمثل تلك العلامات في كتابتنا العربية، فأصدر رسالة عنوانها: (الترقيم و علاماته)، و قد أدخل شيخ العروبة أحمد زكي باشا هذه العلامات إلى اللغة العربية لأنه رأى أن اللسان العربي مهما بلغ درجة العلم لا يتسنّى له في أكثر الأحيان أن يتعرّف على مواقع فصل الجمل و تقسيم العبارات، وذلك في رسالته 1912م. وبذلك أقرت وزارة المعارف العمومية المصرية استخدام هذه العلامات في المدارس آنذاك، وفي عام 1932 ارتضت "لجنة تيسير الكتابة في المجمع اللغوي" ما أقرته وزارة المعارف المصرية و أصدرت بيان بذلك ينص على عشر علامات أضيف لها بعد ذلك المزيد(٣).
ويمكن أن نعرف علامات الترقيم في الكتابة بوضع رموز اصطلاحية معينة بين الجمل أو الكلمات؛ لتحقيق قصد يهدف إلى تيسير عملية الإفهام من جانب الكاتب، وعملية الفهم على القارئ، وهذه المقاصد والأغراض تؤدي إلى تحديد مواضع الوقف، حيث ينتهي المعنى أو جزء منه، والفصل بين أجزاء الكلام، والإشارة إلى انفعال الكاتب في سياق الاستفهام، أو التعجب، وفي معارض الابتهاج، أو الاكتئاب، أو الدهشة وغيرها، وبيان ما يلجأ إليه الكاتب من تفصيل أمر عام، أو توضيح شيء مبهم، أو التمثيل لحكم مطلق؛ وكذلك بيان وجوه العلاقات بين الجمل؛ فيساعد إدراكها على فهم المعنى، وتصور الأفكار.
وكما يستخدم المتكلم في أثناء كلامه بعض الحركات اليدوية الجسمانية، أو يعمد إلى تغيير في قسمات وجهه، أو يلجأ إلى التغيير والتنويع في نبرات صوته؛ ليضيف إلى كلامه قدرة على دقة التعبير، وصدق الدلالة، وإجادة الترجمة عما يريد بيانه للسامع، كذلك يحتاج الكاتب إلى استخدام علامات الترقيم؛ لتكون بمثابة هذه الحركات اليدوية، وتلك النبرات الصوتية، في تحقيق الغايات المرتبطة بها(٤).
وبهذا يكون للعلامات الترقيم أهمية كبيرة في بيان المعنى من خلال توضيح الإعراب والحركات، وسنمثل لهذا بعض الجمل باختلاف علامات الترقيم الخاصة بها، كالآتي:
إذ نبين إعراب كل واحدة من هذه الجمل، فالجملة الأولى "ما أحسنَ الطبيبُ":
ما: حرف نفي مبني على السكون لا محل له من الإعراب.
أحسنَ: فعل ماضٍ مبني على الفتح.
الطبيبُ: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في آخره، والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية.
والجملة الثانية: "ما أحسنَ الطبيبَ!"
ما: تعجبية بمعنى شيء اسم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
أحسن: فعل ماضٍ مبني على الفتح لا محل له من الإعراب والفاعل ضمير مستتر وجوبًا تقديره (هو).
الطبيبَ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره والجملة الفعلية في محل رفع خبر للمبتدأ (ما) التعجبية، والجملة كاملة لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية.
وإعراب الجملة الثالثة "ما أحسنُ الطبيبِ؟":
ما: اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع خبر مقدم.
الطبيبِ: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره، والجملة لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية.
فهذه الجمل الثلاث مختلفة في المعنى، لا متكررة، على الرغم من أنها بدت في الظاهر جملة واحدة مكررة ومكونة من الكلمات الثلاث نفسها؛ فالنقطة جعلت الجملة الأولى جملة خبرية منفية بـ (ما) النافية، وعلامة التعجب جعلت الجملة الثانية جملة تعجبية و(ما) تعجبية بمعنى شيء، وعلامة الاستفهام جعلت الجملة الثالثة جملة استفهامية، وما اسم استفهام.
_لقد أفادتنا، يا سيدي، وسهلت علينا القراءة العربية بعد أن كنا نتخبط فيها على الدوام.