تحولات الكتابة عند القاص فاضل العباس


الكاتب: خالد حوير شمس -

تحولات الكتابة عند القاص فاضل العباس

محتويات


بواسطة د.خالد حوير شمس

فاضل العباس

فاضل عبد العباس أديب من الناصرية، برز في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وطبع مجموعة قصصية بعنوان (السنونو تحلق بعيدا) سنة 2020م، تعود بدايات مشاركاته في الفعاليات الثقافية، والأدبية إلى قبل هذا التاريخ. أطل علينا بكتاب تاريخي بعنوان ( ثانوية الناصرية تاريخ وأجيال)، طبعه في دار ليسزتومانيا في بغداد، في سنة 2023م.

الكتاب محاولة تاريخية لثانوية الناصرية، يمكن بيان سمتها بلحاظ ورود عدد من أنماط التأليف التاريخية للمدارس عند العرب، إذ يؤرخون للمدارس، فجاء التأليف عاما، وخاصا، ومن ذلك النمط العام كتاب (الدارس في تاريخ المدارس)، ألفه عبد القادر بن محمد النعيمي المدشقي ت 978هـ، وهو الأشهر بين الكتب في مجاله، ثم يمثل النمط الخاص (تاريخ المدرسة النصرية بغرناطة)، ألفه رشيد العفاقي، وغير ذلك من الكتب التي تنتمي إلى النمطين أعلاه، حتى ينتمي كتاب السيد فاضل العباس إلى النمط الخاص، ولكنه جديد في مجاله، فلم يدرس أحد قبله تاريخ الناصرية بهذا الاتساع حتى وصل حجم الكتاب الى 1000 صحيفة.

يتضح من مراجعته، والنظر إليه أنه يترجم به لعدد من المدراء لثانوية الناصرية، ويتناولهم على أساس معيار سني الخدمة، وتواريخ تسنم الإدارة، وقد ترجم لبعضهم بحسبما هم عليه الآن من مناصب، وشهادات، ومؤلفات، وأظن الراجح أن يؤلف سيرتهم في حد إدارتهم، لأن الكتاب يخص المدرسة، ولا يخص الشخصيات موضع الاختيار، والسبب في ذلك إحساسه العامل على رفع قيمة المدرسة، ومكانتها، فآل إلى عرض إنجازات المترجَم لهم من المحاماة، والأستذة في الجامعات، والطب، وغير ذلك.

ما يحسب له أن راجع عددا من السجلات، والقيود، والوثائق، حتى وصل الاعتزاز به أن يدرج تلك الوثائق في طيات كتابه، حتى أثقل كاهل الكتاب بها، وغفل عن الإطالة في ترجمة الأعلام المختارين، بسبب قلة الوثائق، وعدم شهرة أغلبهم، وسرى هذا على المدراء وعلى ترجمة الموظفين في الثانوية، ومدراء القسم الداخلي.

لم أستحسن تلك الإطالة في الكتاب لأنه مطَّ حجمه، وكبَّره بإيراد قيود الطلبة، فعقد فصلا طويلا أخذ نسبة 25 % من الكتاب، وهو الفصل الحادي عشر، من الصحيفة 239- 490، وكذا عرض سيرة بعض كبير من المدرسين، وشفع تلك الترجمات بصور قيود، ووثائق أطالت مساحة الكتاب؛ ليحافظ على نسق الريادة، والجدة، وابتكار الفكرة، فأراه مبتهجا بما وصلت إليه يداه الكريمتان، وليته دوّن لنا المسحة الفكرية، والجدلية، والايديولوجية في هذه البقعة المتجذرة على مدى التاريخ، وقد يصل إلى جزء من ذلك عبر الوثائق، والمقابلات الشخصية.

كما أسلفت أنه يجد نفسه في عالم الأدب، لكنه في خطوته هذه، وأرشفته يتحول من الأدب إلى الكتابة التاريخية، إذ عرفته قاصًا، يسجل قصصا قصيرة جدا، وأجهد نفسه لكي يحفر اسمه بين أقرانه في جو الاحتراب، والرفض الذي تعانيه القصة القصيرة جدا، ويعانيه كتابُها نتيجة ظروف التلقي المتوترة، وعصر الهوس الثقافي.

بدأ السيد فاضل العباس يشغله هاجس الكتابة، وأراه يشعر بلذتها بعيدًا عن نوعها، وجنسها، فالنزعة الإبداعية لا تحدها حدود، ولا يكون تعدد الحقول مرفوضًا، في سيرة بعض الكتَّاب فذلك شايم بيرلمان فيلسوف قانوني قد كتب في البلاغة وأجاد، لكن الأمر مرهون بضبط الأدوات، حتى انشغل فاضل العباس ليكتب بتخصص التاريخ، ووضع كتابه بجزأين، والذي دفعه لهذا النوع من الكتابة:

  • أهمية الناصرية، وإعداديتها؛ كونها تأسست ضمن العشرين مدرسة في العراق آنذاك.
  • خبرته التربوية، وتحيُزه لأبناء صنفه، فقد خدم مدة طويلة في مسار التعليم الثانوي في مدرية تربية ذي قار.
  • سهولة الأرشفة، والحصول على الوثائق، فضلا عن أنَّه يمتلك القدرة على الصياغة، والخبرة في التأليف.
  • خيبة الأمل الذي يعانيها كتَاب القصة القصيرة جدا في العراق، إذ أرى، ويرى ربما هو عدم تفاعل الجمهور مع هذا النوع من السرد، بل وصل الحال حد السخرية.

على وفق التخرُّص، والتأويل لموقفه التأليفي: يأتي التحول عنده عبر قناعة أن الكتابة التاريخية أحق، وأقوى في التلقي، فينتقل من الصمت، والكساد، وعدم الحراك إلى الأفق، والصوت العالي، والبحث عن التقبل السريع؛ كون العرب ميالين إلى التمسك بالتاريخ، وإلى ذاكرة المكان، فكان انتقالا صوب الأمل، الذي ينبني على الاهتمام بمنارة علمية في تاريخ الناصرية، فقام عمله منهجيا على عرض سيرة الشخصيات، والاهتمام بصورهم؛ ليوجد الاندماج من قبل المعنيين بالكتاب، ووسائل الإعلام ربما، مارًا بتاريخ (أور المقير)، وثقافتها، وببعض تاريخ الناصرية، والحديث عن التعليم في العراق محاولا الرجوع إلى قليل من المصادر في هذه المحاور، اعتزازا بالمبدأ الذي يشتغل عليه في كتابه، بوصفه كتابًا جديدًا، له فضل الريادة، والسبق، والتبكير، فيقول: ((أعتقد لم يسبقني أحد في هذا البحث))[1].

حاول الكاتب أن يخرجنا من دائرة العادي، والركود إلى دائرة المدهش والفريد من الموضوع، وذاكرة المكان التي لم يسبقه أحد إلى دراسته من قبل فقد يصرح، ويفتخر بأن الموضوع بكر، فأخذ يبرهن على قدرته التاريخية عبر تقديم المعلومات التاريخية عن التعليم في العراق، وفي الناصرية.

الدكتور خالد حوير شمس شخصية عراقية أكاديمية.

تدريسي في جامعة ذي قار


[1] ثانوية الناصرية تاريخ وجيال، فاضل العباس: 1/ مقدمة المؤلف.







رائج



مختارات