ما المعجم؟ وكيف ظهر؟ وكيف تم جمع اللغة؟


الكاتب: غفران اليوسف - - عدد المشاهدات: 289

ما المعجم؟ وكيف ظهر؟ وكيف تم جمع اللغة؟

مفهوم المعجم

لغة: العجم ضد العرب، ويقال رجل اعجمي: أي ليس بعربي، وامرأة عجماء بينة العجمة، والعجماء كل دابة أو بهيمة، والعجماء كل صلاة لا يُقرا فيها، فالأعجم هو كل كلام ليس بلغة عربية، والمعجم حروف الهجاء المقطعة؛ لأنها أعجمية، وتعجيم الكتاب تنقيطه كي تستقيم عجمته ويصح(1).

وذكر ابن جني في كتابه الخصائص: "ثم إنهم قالوا أجمت الكتاب إذا بينته وأوضحته، فهو اذا لسلب معنى الاستبهام لا إثباته"(2).

وجاء في لسان العرب إن المعجم مشتق من مادة عجم، ومنها العُجْم والعَجَم ومعناه خلاف العرب، ويقال عجمي وجمعه عجم، وخلافه عربي، ورجل أعجم وقوم أعجم، وكما ينسب إلى الأعجم الذي في لسانه عُجمة ويقال لسان أعجمي وكتاب أعجمي، ووردت بمعنى الإبهام، فيقال أن العجمي مبهم الكلام، لا يتبن معناها ويقال معجم الخط هو الذي أعجمه كاتبة بالنقط، ويقال عجمت العود اذا عضضته ليتعرف على صلابته من رخاوته، كما وردت مادة (عجم) في اللغة للدلالة على الإبهام والإخفاء وعدم البيان والإفصاح، فمنها الأعجم الذي لا يفصح، والأعجم لسان غير عربي، وصلاة النهار عجماء لأنه لا يجهر فيها بالقراءة(3).

اصطلاحا: اتفق العلماء على أن المعجم هو عملية جمع لمفردات اللغة مرتبة بطريقة معينة شارحا كلا منها وممثلا له أحيانا، مع ذكر الأصل الذي اشتق منه، ويتخصص مصنف المعجم في شرح المصطلحات الفنية الخاصة بفرع من فروع المعارف أو في كلمات لغة إلى لغة أخرى، ومن اشهر مصنفي المعاجم من العرب: الخليل بن أحمد، الجوهري الأزهري وابن منظور والفيروز أبادي، وقد كان علم تصنيف المعاجم يعرف عند العرب باسم "علم اللغة"(4).

أذن فالمعجم عبارة عن قائمة من المفردات، ومشتقاتها وطريقة نطقها، وتكون مرتبة وفق نظام معين مع شرح لها، ويعرفها الدكتور عبد القادر عبد الجليل بانها مرجع يشتمل على ضروب ثلاثة، وهي:

الأول: وحدات اللغة مفردة أو مركبة.

الثاني: النظام التبويبي.

الثالث: الشرح الدلالي.

وعلى هذه المرتكزات الثلاثة يقوم المعجم بشكله العام من حيث كونه وعاء يحفظ متن اللغة، وليس من أنظمتها، وذلك لان المعنى المعجمي هو جزء من النظام الدلالي، والمرجع في التزود واغتناء الذهن الإنساني، حينما تستجد الحاجة وتمليها متطلبات الفكر(5).

كان من آثار انتشار الإسلام، ان كثر سواد الكاتبين بين المسلمين، وفي عهد عثمان بن عفان (رض) تم جمع القران في مصحف واحد، بعد ان كان محفوظا في الصدور أو مسطورا في العسب واللخاف والاكتاف من قبل كتاب الوحي، فقد كانت كتابة القران في بداية عهدها بحروف خيالية من أي إعجام أو شكل، فلما زاد اختلاط العرب بغيرهم من المسلمين وفشا اللحن بينهم، وخيف على القران من قراءة غير العلماء له، فقام أبو الأسود الدؤلي في زمن معاوية بن أبي سفيان، بضبط أواخر الكلم في المصاحف بالنقط، فجعل علامة الفتحة نقطة من فوق الحرف، وعلامة الكسرة نقطة من أسفله، وعلامة الضمة نقطة بين يديه، ونهج أناس على هذا النهج، واستعملوا مدادا أحمر في النقط مخالفين بذلك لون الحروف(6).

وقد رووا إن أبا الأسود الدؤلي هو أول من شكل المصحف، ومفاد هذا انه سمع ذات يوم قارئا يقرأ: "إن الله بريء من المشركين ورسوله"، بخفض رسوله، فانزعج كثيرا، وكان زياد بين أبيه قد سال هان يعمل شيئا يبعد به الخطأ عن الناس، فاعتذر منه، مفاد اليه وقال له: "أفعل ما أمر به الأمير، فليبلغني كاتبا لقنا يفعل ما أقول، فأتي بكتاب من عبد القيس، فلم يرضه، فأتى بآخر.... فقال أبو الأسود: اذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وان ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وأن كسرت فاجعل النقطة من الحرف، فهذا نقط أبي الأسود الدؤلي"(7).

وانتهى ترتيب الحروف بنصر بن عاصم إلى أحرف "كلمن"، فوضعها بترتيبها في الأبجدية متلاحقة كما هي، بعد أن اعجم النون بواحدة من فوقها، حتى لا تلتبس بمثل الباء أو التاء، ثم ختم ترتيبه لحروف العربية بالباقي منها وهي: الهاء والواو والياء، تبعا لترتيبها في حروف الأبجدية، بعد أن أعجم الياء بنقطتين من تحتها، خوفا من التباسها بالباء أو بالتاء او بالنون اذا ما توسطت الكلمة، تاركا الهاء والواو بلا إعجام لانفرادهما وعدم وجود شبه لاحدهما بين الحروف تستعجمان به، ويمكن الإشارة إلى أن ترتيبه هذا لم ينشر إلا في أواخر القرن الثاني للهجرة(8).

وبعد نزول القران الكريم الذي كان فيه من الغريب والنوادر، والكثير من الألفاظ التي استغلقت معانيها حتى على الفصحاء من العرب، فقد روي ان عمر بن الخطاب قرأ على المنبر "وفاكهة وأبا" سورة عبس: 31، فقال هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الاب؟ ثم رجع الى نفسه فقال: ان هذا لهو التكلف يا عمر، وكذلك في رواية واخرى ان ابن عباس لم يفهم معنى كلمة فاطر في قوله تعالى : "فاطر السموات والأرض" فقد روى السيوطي انه قال: كنت لا ادري ما فاطر السموات حتى لتاني اعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما أنا فطرتها أي ابتدأتها(9).

إن من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ظهور الدراسات اللغوية هو ارتباطها بالدراسات الدينية أو اتحادهما في نشأتهما، فقد انزل القران وهو كتاب العربية الأعظم، على الرسول العربي الكريم، ليدعو قومه إلى سبيل الرشاد، فكان بلغتهم وعلى أساليب كلامهم، ليتم التفاهم والتجاوب بينه وبينهم، ومن الطبيعي انه لم يتساو القوم في فهمهم له، مثله في ذلك مثل كل أمر من أمور الحياة والكتب الخاصة، وفضل بعضهم في ذلك بعضا، وكان أحسنهم له فهما نبي الهدى الذي انزل الكتاب على قلبه، وكان معجزته العظمى، فكان مرجعهم في تفسير الأمور التي يصعب تفسيرها، وبعد لحق بالرفيق الأعلى، اصبح الصحابة هم المرجع في التفسير واشهرهم عبد الله بن عباس، وتعد هذه الحركة العلمية هي الأولى عند المسلمين، وبعضهم من فسر الغريب لأنه ليس من لغة قريش، وأما الحديث الشريف فقد كان له نصيبا في إظهار الدراسات اللغوية، فقد اتجهت هذه الدراسات إلى العناية بغريب الحديث، وأيضا غريب القران، ولعل أهم من ذلك أن الدراسات القرآنية أو تفسير القران وغريبه كانت تعتبر من الحديث في نشأتها الأولى(10).

وسار جمع اللغة عد العرب ليتطور إلى المعجم الشامل في مراحل ثلاث، وهي:

1-في المرحلة الأولى جمع العرب الكلمات من غير اتباع طريقة معينة أو محددة، فقد كان الأصمعي مثلا يقصد الأعراب ليسمع منهم اللفظ الغريب ويدونه في الواحه، إلى أن اشتهر اسمه بالغريب، بل قيل انه لميكن يكتفي بسماع الأعراب ومناقشتهم، حتى كان يملأ الراحة من كلامهم، ومن الذين نقلت اللغة عنهم، واخذ اللسان العربي من بين القبائل العرب، هم قيس وأسد وتميم وهذيل وكنانة وبعض الطائيين.

2- جمع الكلمات المتعلقة بموضوع واحد، كالألفاظ المتعلقة بالمطر، أو بالدواب، أو بالغيم، أو ما إلى ذلك مما شكل فيما بعد ما يسمى "معاجم المعاني".

3- جمع كل الكلمات العربية بطريقة معينة وهي طريقة مرحلة المعاجم المجنسة(11).

أما من حيث التسمية، فقد رأى كثير من المختصين بدراسة المعاجم العربية أنه تم اخذ هذا المصطلح من مصنفات رجال الحديث، والقراء والشراح وجامعي اثر الصحابة، تلك الحركة التي بدأت بواكيرها في القرن الثالث الهجري، وجاء في صحيح البخاري عنوان من تعبيره وقوله، وهو: "باب تسمية من سمي من أهل بدر في الجامع الذي وضعه أبو عبد الله على حروف المعجم"، ووضح أبو يعلي احمد بن علي بن المثنى الموصلي: محدث الجزيرة كتابا اسماه "معجم الصحابة" وتلاه محمد البغوي الذي سمى كتابيه المؤلفين في أسماء الصحابة "المعجم الكبير" و "المعجم الصغير"، ثم اطلق هذا اللفظ "المعجم" في القرن الرابع الهجري على كثير من كتب الحديث والقراءات(12).

ويخبرنا الفيروز أبادي في معجمه إن كلمة قاموس تعني معظم ماء البحر، والقاموس من مادة (ق.م.س) وبعد صدور القاموس المحيط بفترة وجيزة انتشر هذا المعجم انتشارا واسعا واشتهر في المدارس اشتهار أبي دلف بين متحضرة وبادية(13).

غير أن المعجم يختلف عن الموسوعة في بعض الملامح منها:ان الموسوعة معجم ضخم يشمل على مجلدات كثيرة في حين أن المعجم يتفاوت حجمه تبعا للهدف المراد منه المعجم يهتم بالوحدات المعجمية للغة، وبالمعلومات اللغوية الخاصة بها، بمعنى أنه يهتم بالمفردة أو الكلمة وبالمعلومات التي ترافقها وتشرحها لمهج العربي قديما وحديثا المجم العربي من النشأة الى الاكتمال لدراسة المعجم العربي.

المصادر">المصادر

1- ينظر: العين: الخليل بن أحمد، دار الرشيد للنشر- وزارة الثقافة والإعلام العراقية، 1980م، 1/ 237- 238.

2- الخصائص: ابن جني، دار الكتاب العربي، عن طبعة دار الكتب المصرية، 1957م، 3/ 76.

3- ينظر: لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي البصري، المجلد الثاني عسر، دار صادر- بيروت، مادة (عجم)، ص: 365.

4- ينظر: معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب: وجدي وهبة، كامل المهندس، مكتبة لبنان، الطبعة الثانية، 1984م، 368.

5- ينظر: المدارس المعجمية دراسة في البنية التركيبية: عبد القادر الجليل، دار الصفاء- عمان، 1999م، الطبعة الأولى، 37.

6- المعجم العربي بين الماضي والحاضر: عدنان الخطيب، مكتبة لبنان ناشرون، الطبعة الأولى، 1414هـ - 1994م، 24.

7- نشأة المعاجم العربية (معاجم المعاني – معاجم الألفاظ): د.ديزيرة سقال، دار الصداقة العربية- بيروت، الطبعة الأولى، 1995م، 7.

8-ينظر: المعجم العربي بين الحاضر والماضي: 27- 28

9- ينظر: الإتقان في علوم القران: السيوطي، 1/113.

10- ينظر: المعجم العربي نشأته وتطوره: حسين نصار، 27- 28.

11-ينظر: نشأة المعاجم العربية وتطورها: 8- 9

12- ينظر: المعاجم العربية رحلة في الجذور: عزة حسين غراب: 14.

13- ينظر: المعجمية العربية بين النظرية والتطبيق: علي القاسمي، مكتبة لبنان ناشرون، لبنان، 2003، الطبعة الأولى، 10.







رائج



مختارات