هل للدلالة أثر في لهجات العرب؟


الكاتب: غفران اليوسف - - عدد المشاهدات: 453

هل للدلالة أثر في لهجات العرب؟

لغات العرب وأثرها في الدلالة

كيف نشأت اللهجة؟

عرف المحدثون اللهجة بأنها مجموعة من الخصائص اللغوية يتحدث بها عدد من الأفراد في بيئة جغرافية معينة، وتكون تلك الخصائص على مختلف المستويات: الصوتية والصرفية والنحوية، والدلالية، وتميزها عن بقية اللهجات الأخرى في اللغة الواحدة.

اتصلت اللغة العربية الفصحى باللهجات القديمة وتفاعلت معها على مر العصور والأزمان، مؤثرة ومتأثرة، واستوعبت الكثير من صفاتها حتى أصبحت الفصحى مزيجا من الخصائص اللهجية، وقد ساعد ذلك على ثرائها في مختلف المستويات الصوتية والصرفية والتركيبية والدلالية، ومن أسباب نشأة اللهجات هي انعزال بعض القبائل وتمسكها بنظم وتقاليد خاصة انفردت بها دون غيرها ممن جاورها من القبائل، وأيضا التطور المستقل لكلام كل قبيلة نتيجة هذا الانعزال، والذي تتناقله الأجيال وتتوارثه، حتى تصبح اللهجة صفات مستقلة تنسب لهذه القبيلة وتعرف بها.

أسباب نشأة اللهجات؟

ومن العوامل التي تسببت في نشأة اللهجات:

  • أسباب جغرافية

وتتمثل في أنه كلما اتسعت البيئة الجغرافية، واختلفت الطبيعة فيها من مكان لآخر، كان تكون هناك جبال وانهار ووديان، أدى ذلك إلى تباين اللهجة بسبب انعزال مجموعة من الناس عن مجموعة أخرى.

  • أسباب اجتماعية

وتتمثل في أن كل طبقة من طبقات المجتمع لها لهجة معينة، بمعنى أنه كلما تعددت هذه الطبقات والجماعات اختلفت اللهجات.

  • أسباب فردية

وتتمثل في أن اللغة وان كانت واحدة فهي متعددة بتعدد الإفراد الذين يتكلمونها، ومن المسلم به أن لا يتكلم شخصان بصورة واحدة ولا تفترق.

  • احتكاك اللغات واختلاطها ببعضها

وهذا يحدث نتيجة غزو لقبيلة أخرى، أو هجرة ثالثة، أو تجاوز قبيلة لأخرى، وبالتالي يؤدي إلى اختلاف اللهجات وتشعبها إلى لهجات مختلفة.

  • الصراع اللغوي

إن الصراع اللغوي يكون نتيجة غزو أو هجرات إلى بيئات معمورة، فقد يغزو شعب من الشعوب أرضا يتكلن أهلها لغة أخرى، فيقوم صراع عنيف بين اللغتين الغازية والمغزوة، وتكون النتيجة عادة أما القضاء على احدى اللغتين قضاء يكاد يكون تاما.

وتسهم لغات العرب في تنمية مستويات اللغة المختلفة، ومناط هذا الإسهام في تنمية هذه المستويات اللغوية أنها تشمل على اختلافات مسموعة عن العرب، وبناء على كونها مسموعة عن العرب لا بد من توجيهها توجيها مناسبا للغة.

واختلاف لغات العرب إنما جاء من قبل وكان قد وضع على خلاف وان كان كله مسوقا على صحة وقياس، ثم أحدثوا من بعد أشياء كثيرة للحاجة اليها غير أنها على قياس، وتطال هذه الاختلافات عن مستويات اللغة، فمن اختلاف اللغات التي تختص بالمستوى النحوي ما كان من اختلاف لغات العرب في الإعراب، نحو: ما زيدٌ قائما، وما زيدٌ قائمٌ، فان الاختلاف في نصب "قائم" أو رفعها عائد إلى اللغات المسموعة عن العرب.

إن هذه الاختلافات المرتبطة بالمستوى النحوي في اللغة، لها دورها البالغ في تحقيق عناصر الدلالة التي من شأنها أن تتحول وتتبدل انطلاقا من تحول التركيب، فالحركات كما اسلفنا دوال على المعاني، ودوال على الإعراب، فاذا تبدل الإعراب من حالة إلى أخرى، فانه سيفضي دون شك إلى تبدل المعاني، واختلاف الدلالة، وهذا انطلاقا من تحول اللهجة في مستواها النحوي، الأمر الذي يقود في نهاية المطاف إلى تنمية المستوى النحوي، لتوسع دائرة الدرس اللغوي النحوي المرتبط بهذه الأحوال اللهجية المسموعة.

أما المستوى الصرفي فهو لا يقل أهمية عن سواه من المستويات اللغوية الأخرى، بالنسبة للهجات العرب ولغاتها، فان هذه اللهجات تسهم في تنمية هذا المستوى، ورفده بعدد من الأداءات اللغوية التي من شأنها ان تكون سبيلا لمعرفة بعض الخصائص اللغوية الصرفية للغة، وذلك مان جده في التذكير والتأنيث، فمن العرب من يقول: هذا البقر، حملا على اللفظ، ومنهم من يقول: هذه البقر، حملا على المعنى.

ويمكننا من خلال دراسة هذه اللهجات واللغات أن نتوصل إلى الصحيح الفصيح من كلام العرب، وان نطرح كل ما غث، وذلك من خلال وصف بعض اللغات بالرداءة والقلة، والضعف وهكذا، خاصة في المستوى الصرفي، مثل قول أهل اليمن: أم نحن أم نضرب، يريدون: نحن نضرب، غير انه أثر عنهم أنهم يزيدون "ام" في الكلام، ومن هنا فان الزيادة البنيوية لا مكان لها في المستوى الفصيح من اللغة.

ومن هنا وصفت بعض اللغات المسموعة عن العرب بالرداءة، والقلة، والقبح، حتى أن العرب لم يأخذوا ببعضها، اذ كانت تجتمع في كل عام في موسم الحج، وكانت قريش تسمع لغات العرب، فما استحسنوه من كلامهم أخذوا به، زما استقبحوه من كلامهم ردوه ولم يأخذوا به.

ومن ذلك نستنتج أن أي تحول في البنية الصرفية أو الوحدة الكلامية يفضي إلى تحول في الدلالة، واي زيادة في مبنى الكلمة يفضي دون شك إلى زيادة في معناها، إذ أن للهجات العربية أثرها البالغ في تحول الدلالة والمعنى، ومن الأمثلة على تأثير هذه اللغات المسموعة عن العرب في تحول الدلالة ما نجده مثلا في لغة قصر الأسماء الستة والمثنى، وهي لغة مسموعة عن بني الحارث بن كعب، وهم يجعلون الأسماء الستة والمثنى كالأسماء المقصورة، فيعربونها بحركات مقدرة على الألف، إذ يقولون: جاء أباك، ورأيت أباك، ومررت بأباك، فالعلامة الإعرابية مقدرة على الألف، ولهذه اللغة المسموعة عن العرب مجموعة من الشواهد، منها:

إنً أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها

والشاهد قوله: وأبا أباها، واللغة العالية قولهم: وأبا أبيها، وقوله: غايتاها، واللغة العالية غايتيها، بالنصب، غير أنه أجرى هذين اللفظين على لغة القصر وهي لغة بلحارث بن كعب.

وعلى الرغم من أن هذه اللغة قد وجهها النحاة واللغويون توجيها دقيقا، ألا أنه ثمة بعض الشواهد التي أدت إلى تحول في العراب وتغير، إذ قد تشكل هذه اللغة على الملتقي فيظن النصب في بعض الأحوال، الأمر الذي يمنح الكلام دلالة مغايرة عما يحصل عليه الأصل، أو قد يظن في المثنى، فيكون لذلك تأثير واضح في المعنى والدلالة، ومن ذلك قراءة: "إن هذان لساحران"، إذ من بين توجيهات هذه القراءة تخفيف نون "إن" واعتبار "هذان" في موضع الرفع، في حين إن من بين هذه التوجيهات، عد هذه القراءة على لغة بلحارث بن كعب، ومنهم ما وجهها في معنى: ما هذان إلا ساحران.

ومن بين الملامح أيضا لغة أكلوني البراغيث التي سمعت عن ناس من العرب، إذ انهم يلحقون الفعل علامة دالة على التثنية أو الجمع اذا كان الفاعل مثنى أو جمعًا، فيقولون: أكلوني البراغيث، والأصل أن يقولوا: أكلتني البراغيث، إذ لا يمكن مجيء فاعلين لفعل واحد.







رائج



مختارات