ويقصد بالفروق الدلالية المعانيَ الدقيقة التي تُميِّز لفظةً عن أخرى، مع اشتراكهما في معنى عام يجمعهما.
ويدخل تحت هذا الإطار أيضًا ما أطلَق كثيرٌ من القدماء عليه اسم (الفَرْق)، كما يدخل ضمنه ما أطلق عليه بعض المحدَثين شبه الترادف، والتقارب الدلالي.
والقول بالفروق الدلالية وبعدم التطابق الكامل بين الألفاظ المترادفة هو ما ذهب أغلب المحدثين، ولمل كانت التفرقة الدلالية بين الألفاظ، تقوم على النظر إلى اصل الوضع، ومن أهم بواعث اهتمام الإمام أبي زهرة بالفروق الدلالية:
ومن أسس التفريق بين الألفاظ دلاليا:
اختلاف دلالة اللفظين لاختلافهما في صوت صائت
بين الضم والكسر
قوله تعالى: "فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ" المؤمنون:110، قرئ بضم السين، وقرئ بكسرها، وفرق بغض اللغويين بان القراءة بالضم معناها التسخير، وبالكسر معناها الاستهزاء، ولا يعرف هذه التفرقة الخليل بن احمد ولا سيبويه ولا الكسائي ولا الفراء، بل هما لغتان بمعنى واحد.
بين الضم والفتح
قوله تعالى: "إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ" ال عمران: 140، القرح بفتح القاف: الجرح، وبضمها: الألم الذي يترتب عليه، وقال الكسائي والأخفش: اللغتان بمعنى واحد وهو الجرح وأثره، وبهما قرئت الآية.
بين الكسر والفتح
قال في قوله تعالى: "لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا" طه 107، العوج: التعوج، والأمت: التلال الصغيرة، أي تصير الأرض بعد نسف جبالها مستوية لا انخفاض فيها ولا ارتفاع.
وفي القرآن الكريم ثمة ظاهرة، ألا وهي الوصف بالمصدر، ومن اللغويين من يعتبر المصدر جامدا ولا يمكن الوصف به، وبدلا من ذلك يؤولونه بمشتق، ومنهم من عده مشتقا ويجوز الوصف به، فمثلا قوله تعالى في الآية 18 من سورة يوسف: "وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ"، قدر اللغويون أن المقصود هو (مكذوب). لكن الظاهر من النص غير ذلك. فقد أراد تعالى الكذب بعينه، ويقول الزمخشري أنه عبر بالمصدر للمبالغة، فقد تمكن منهم الكذب فأصبحوا كأنهم جزء منه, فلو المكذوب لكانت صفة للدم فقط. لكن المقصود أنهم كانوا كاذبين في كل شيء: بدءا من اصطحابهم ليوسف ورميه في الجب.
وبخصوص ظاهرة التعريف والتنكير، فقد استخدم القرآن الكريم تلك الظاهرة على أدق وجوهها، وقد نظر علماء اللغة عندها، فأدلى كل بدلوه، ولنأخذ الآية 30 من سورة الأنبياء: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) حيث وردت مفردة الماء معرفة، مقابل ذلك، قال تعالى في الآية 45 من سورة النور: "وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ" وردت نكرة، فلا بد أن تكون للماء الوارد في الآية الأولى خصوصية تختلف عن تلك الواردة في الآية الثانية. فقيل أن التعريف في الأولى جاء (لإفادة أن المسند إليه هو الحقيقة نفسها)، فالماء هنا مبدأ كل شيء حتى جنس الماء، أما في الآية الثانية، فقد جاءت منكرة (لأن المقام مقام إفراد وتشخيص وتنويع)، فقد أراد بذلك نوعا من أنواع الماء الخاص بتلك الدابة، وهي النطفة، وليس كل الماء، أي أن التعريف كان فيما يتعلق ببيان أساس الخلق، فأراد بالتعريف التعميم. لكنه أراد بالنكير التخصيص.
وفي التذكير والتأنيث، جاء الذكر الحكيم مخالفا لما يقوله النحويون واللغويون، بيد أن القرآن الكريم أورد نفس المفردة مذكرة مرة ومؤنثة مرة، وخير مثال مفردة(الريح)، فهي مذكرة في الآية 22 من سورة يونس: "هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ" وفي الآية 81 من سورة الأنبياء، وردت مؤنثة "وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ"، ويقول اللغويون والنحاة أنها مؤنثة على اللفظ ومذكرة على المعنى. لكن السياق القرآني ميز بين نوعين من الرياح: الطيبة والعاصف، فقال اللغويون أن القرآن يستعمل (الرياح) لأمر سيء والريح لأمر حسن، وفي ذلك إلماح للفرق، على أن الريح عندما تكون مذكرا، فيراد بها الشر، وتكون مؤنثا فيراد بها الخير.