الأمر لغة: هو"نَقِيض النَهي قولك أفعل كذا. قال الأصمعي: يُقال: لي عَليكَ مطَاوعة، أي: لي عليكَ أن آمرك مرةً واحدةً فتَطيعني. قال الكسائي: فُلان يُؤامر نَفسَه، أي: نَفسٌ تَأمره بشيء ونَفسٌ تَأمره بآخر" (1)، "وأمرتُ فُلاناً أمره أي أمرته بما ينبغي له من الخير" .
هو طلبُ فعل شيءٍ صادر ممن هو أعلى درجة إلى من هو أدنى منه، فإذا كان الأمر من الأدنى إلى الأعلى منه سُميَّ هذا ب"الدعَاء"، وإن كانَ مساوياً لنظيره فيُسمى حينئذٍ ب" الالتمَاس"، فالأمر هو فعلُ يُطلبُ به حدوث فعل أو شيء بعد زمن التكلم، فهو يَدلّ على حدث في المستقبل، ويعبر به عن طريق المخاطبة، كقوله تعالى: "رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً"، فهو لم يَحدثُ في ذلك الحين، فكان للمستقبل ، فإذا حدث انتقل إلى ماضٍ.
وعَرفه البلاغيون بأنه طلب فعل على وجه الاستعلاء، وذلك بان يعد المتكلم نفسه عالياً، إذ يكون كلامه على جهة القوة والتعالي لا قصدُ التواضع.
وعَرَّفه بعضهم بأنه: هو طلبُ تحقيق شيء ما سواء كان مادياً أو معنوياً، وتَدلّ عليه صيغ كلامية أربع هي : فعل الأمر، والمضارع الذي دخلت عليه لام الأمر، واسم فعل الأمر، والمصدر النائب عن فعل الأمر.
1- فعل الأمر:
ففعل الأمر هو الطلب بصيغة مخصوصة ومحددة ، وتكون صيغته المعروفة على وزن (إفعَل)، مثل: اذهَب، إذ يُصاغ من الفعل الثلاثي، أمَّا ما يُصاغ من المضارع، فتُحذَف حرف المضارعة من دون تغيير فيها، مثل: كَتبَ- يَكتبُ – اكتب (افعل)، فمنها ما يؤدي إلى أن يكون أول حرف من فعلها ساكناً، إذ إنّ العربية لا تبدأ بساكن ، فلجأت إلى همزة الوصل؛ لأنها توصل المتكلم إلى النطق بالساكن، مثل: يَنطَلق- يحذف حرف المضارعة- نطلق (لا يمكن لفظها)- انطلَق ، ومثاله قول الشاعر:
(فاحضر) فعل أمر، مبني على السكون ، من يَحضر –حَضَر- احضَر.
وقوله:
(سِر)، أمر من سَارَ- يَسيرُ- سِر، والأمر في (اسقِ) على وزن (افعِ)، من سَقَى – يَسقِي – اسقِ، مجزوم بحذف حرف العلة لأنه ناقص، وقول الشاعر:
فـ(قُلْ) فعل أمر من قَالَ- يَقولُ- قُلْ، وهو فعل أجوف بالألف.
وقد خرجَ الأمر من معناه الحقيقي إلى معانٍ أخرى مجازية، منها:
أ- الالتماس: وهو طلب فعلِ شيءٍ صادر من شخص مساوٍ إلى نظيره، من دون استعلاء ويكــــون استعمـــــاله على سبيــل التلطف، كقـولك لمن يساويك في الرتبــــــة: افعَل .
مثاله قول الشاعر:
فـ(دعني) أمر لشخص في مستواه ورتبته فهو التماس، وقول الشاعر:
(فخُذ) فعل أمر، خرج من معناه الحقيقي إلى معنى مجازي وهو الألتماس، وقوله:
فـ(ناوليني) و(غني) و(أديري) و(اشغلي) أفعال أمر خرجت إلى معنى الالتماس.
ب- النصح والإرشاد:
فالرُشد هو ضدُ الغَيّ، ورَشَدَ الرجل يَرشدُ، وأرشَده يَرشده الله إرشاداً، والاسم منه الرُشد والرَشد والرَشَاد، ورجل رَشيد ورَاشد والطريق الأرشد هو الأقصر.
وإنما هو طلب يحمل معنى النصيحة والإرشاد والموعظة ، مثل :
فهنا ينصح بحسن القول وحسن العمل التي تواصله في حياته، إذ أمر بـ(امدح) و (قل) وهو فعل أمر.
ت- التخيير:
التخير هو "(الخيرة) بوزن الميرة الاسم من قولك (خَار) الله لكَ في الأمر اي اختار. و(الخِيرة) بوزن العنبة الاسم ومن قولك (اختَار) الله تعالى، يُقال: محمد (خيرة) الله في خلقه وخيرة الله أيضا بالتسكين، و(الاختيار) الاصطفَاء وكذلك (التخير)".
ومن هذا نقول إنَّ التخيير هو الاختيار بين أمرين اثنين أو أكثر، ومنه قول الشاعر :
(تَرحَّلي) و(أقِيمي)، طلب الاختيار بين هذين الأمرين، إما الترحّل وإما الإقامة وهو أمر مجازي خرج عن معناه الحقيقي، وقوله:
(قف) و(سُقْها)، طلب الاختيار بين الوقوف أو السقاية وهو أمر مجازي خرج عن معناه الحقيقي.
ث- الدعاء:
هو من الدعو: هو"مصدَر دَعَا يَدعو دَعوا ودعَاء. والدعوة في النَسَب بالكسر لا غير، والدعوة إلى الطعَام بالفتح، وهي المدعاة أيضا، واستجاب الله دعاءه ودعوته" .
من هذا يتبين معناه بطلب شيء ويأمل الإنسان بتحقيقه واستجابته، وورد منه مثالا قول الشاعر:
فـ(أغثنَا) و(أجرنَا) كل منهما له معنى مجازي، وقَصدَ به الدعاء.
ج- التمني:
"التَمني هو تَشهي حصول الأمر المرغوب فيه وحديث النفس بما يكون ومالا يكون، والمعنى إذا سأل الله حوائجه وفضله فليكثر".
ومنه قول الشاعر:
فتمنى الشاعر في البيت الشعري أنه لو لم يُدفع الى زمن القسوة، إذ خرج عن معناه إلى معنى مجازي وهو التمني.
وغيرها من المعاني المجازية الأخرى كالتعجب، مثل قول الشاعر فيه:
فـــ(انظروا) فعل أمر خرج بمعنى مجازي وهو التعجب.
فقد وردت المعاني المجازية وفقاً لمعنى الجملة، وما يتضمنه الكلام من معنى، فمن المعاني المجازية هي: الإباحَة، والتَهديد، والاحتقار، والتَسخير، والدعاء، والتمني، والالتماس، والتعجيز، والإهانة، والتسوية، والإرشاد، والتأديب، والتعجب، وبيان العاقبة، والتيئييس، والدوام.
2-اسم فعل الأمر:
أسماء الأفعال عَرَّفها النحاة بأنها ألفاظ نابت عن الأفعال معنى واستعمالاً، واختلف في أسماء الأفعال في أنها أسماء أو أفعال، فمنهم من قالَ هي أسماء لألفاظ الأفعال أو لمعانيها من الأحداث والأزمنة، وهو ما ذهبَ إليه جمهور البصريين، أو هي أسماء للمصادر النائبة عن الأفعال، وهو مذهب صاحب البسيط ، ونَسبهُ إلى ظاهر قول سيبويه والجماعة، أو هي أفعال قال بها جماعة من البصريين، إما بكونها أفعال حقيقية أو أسماء لألفاظ الأفعال لا موضع لها من الإعراب عند الأخفش وطائفة غيره شاركوه فيها.
إذ صَرحَ منهم بأنها ليست أسماء ولا كلمات؛ والسبب في ذلك هو لعدم صدق حد الكلمة عليها، لأنها لا تدلّ على معنى، لتوقف الدلالة على المخاطب، إذ يكون المخاطب بالأصوات مما لا يعقل، ومن قال بأنها أسماء بكون الدلالة للفظ ، بحيث متى أُطلق لفظه فهم منه العالم بالوضع معناه، والصحيح أنها أسماء؛ لقبولها بعض علامات الأسماء كالتنوين والتصريف، ولعدم قبولها علامات الأفعال، وورودها على أوزان تخالف أوزان الأفعال.
وأسماء الأفعال تكون على ثلاثة أزمنة، وغالباً ما تكون لفعل ماضٍ، ولفعل أمر، ولفعل مضارع، وهذه الأنواع الثلاثة تكون أمثلتها كما يأتي:
أ- اسم فعل مضارع: مثل: (أوه) بمعنى أتوجَع، و(وي) بمعنى أعجب.
ب-اسم فعل أمر:وهو كثير فيها، مثل: (مه) بمعنى اكفف، (آمين) بمعنى استجب، و(هيا) بمعنى أسرع، و(صه) بمعنى أسكت، و (حَيَّ على الصلاة) بمعنى أقبِل، و(هلّم) بمعنى اقتَرب، وما يكون منه أصله جار ومجرور، أو ظرف مكان، مثل: (عليكَ الصدق) أي الزم الصدق، و(إليكَ عني) بمعنى ابتَعد عني، و(أمامكَ) آي تَقدّم، و(عندكَ) بمعنى خُذ، و(مكانكَ) بمعنى اثبت، ومنه أيضا على وزن (فَعَال) من الثلاثي التام المتصرف، مثل: (حَذَار) بمعنى احذَر، و(نَزَال) أي انزل، وما يكون أصله مصدر، مثل: (رويد) أي تَمهل او أمهَل، وهو اسم فعل أمر مبني على الفتح.
ت- اسم فعل ماضٍ: مثل: (شَتان) بمعنى افتَرق، (هيهَات) بمعنى بَعُد، كقولك: هيهَات العقيق.
وصيغة (فَعَال) أصلها في الأمر أن تكون على صيغة (افعل)، لكـن هذه ليسـت فعلاً، بل هي اسم فعل، دلّت على ما يَدلّ عليه فعل الأمر، إذ أنها قد عَدلَت عن صيغتها، وهذا ما نَصَّ عليه سيبويه بأنَّ كلَ ما جاء اسما للفعل وصار بمنزلته، مثل كلمة (نَزالِ) على وزن (فَعالِ)، معناها: انزل، فأنه معدول عن حدة، فكان الحد فيه على وزن (إفعَلْ) لكنه عدل عن أصله، فاسم الفعل يكون على قسمين:
أحدهما: مُرتَجل وهو ما وضع في أول الأمر وبدايته، مثل: شَتان، وصه، ووي، فإنما وضعت أسماء لتلك الأفعال أولاً.
ثانيهما: مَنقُول، وهو ما وضع في أول الأمر لكن لغير اسم الفعل، ومن ثم نقل إليه من غيره، أي هو: المَنقُول بالنسبة إلى الَمنقُول عنه، فمنه ما يكون مَنقُولاً في ظرف للمكان، أو جار ومجرور، كما في قوله تعالى "عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ "، فـ(عليكم) اسم فعل بمعنى "الزم" وهو من الجار والمجرور، ومن الظرف، مثل: دونكَ زيداً، بمعنى ضده، وراءكَ، بمعنى تأخر.
أمَّا ما يدلّه من المصادر، كرويد زيداً ودونكَ زيداً، فما عداه يكون فعلاً كنزَال، وصَه، وقيل هو قسم برأسه يُسمى خالفة الفعل، فقد ذَهبَ كثيرٌ من النحويين منهم الأخفش إلى أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب، وذهب المازني إلى أنها في موضع نصب بمضمر، ونقل عن سيبويه وعن الفارسي القولان، وذهبَ بعض منهم أنها في موضع رفع بالابتداء، وأغناها مرفوعها عن الخبر، فالأفعال بُنيت مع المصادر، فقد دخلها معنى الأمر والمضي والاستقبال التي هي من حروف المعاني قاله المرادي، من هذا يكون قولهم أسماء الأفعال أي اللغوية وهي المصادر، فقوله: (في الدلالة على معناها)، أي بواسطة دلالتها على لفظها ليوافق الأرجح المتقدم .
وهذه الأسماء قد ورد بعضها في قول الشاعر:
فـ(تعالوا) فعل أمر بمعنى (اقبلوا)، وهو اسم فعل أمر مبني دائماً.
وقوله:
فـ(هلّم) هو اسم فعل أمر لازم، مبني على الفتح، ومعناه (أقبل)، ويستوي فيه الُمذكّر والمُؤنّث، والمفرد وغيرها، وهي لغة أهل الحجاز، كقوله تعالى: "وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا" ، وقد تكون متعدية وتعني حينئذٍ (احضر)، وقيل هي فعل "هاء التنبيه" و "لم" بمعنى: ضم نفسك بدليل تصرفها: هلموا وهلمي وهلما وغيرها إذ يفك إدغامها نون النسوة فقط، مثل: "هلمنَ"، ومنها:
فـ(هلّم) اسم فعل أمر بمعنى "اقبل"، وقول الشاعر:
فـ(هَات)، يُقال في انه اسم فعل؛ لان بعضهم أشار إليه بفعل أمر، وهو مبني على حذف حرف العلة.
وقول الشاعر:
فـ(حَذارِ) اسم فعل أمر، على وزن (فَعالِ) بمعنى احذر، أي يُصاغ كل ثلاثي تام متصرف على وزن (فَعالِ) مثل: نَزالِ تعني انزل، وكَتابِ تعني اكتب.
3- المضارع المقرون بلام الأمر:
ومن صيغ الأمر المضارع مقروناً بلام الأمر ليدل عليه، كقوله تعالى: " لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ۖ "، وهي لام مكسورة، ويمكن تسكينها عند واو العطف والفاء كقوله تعالى: " فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا"، وقد ورد حذفها لضرورة شعرية، فالام هي من عوامل الأفعال وعملها الجزم؛ لاختصاصها بالأفعال وعملها يختص بعمل خاص بالأفعال وهو الجزم، أما كونها مكسورة فهي حرف جاءت لمعنى وهو على حرف واحد كهمزة الاستفهام، ولا يمكن حذفها في الكلام؛ لأنها جازمة في الأفعال، ولان عوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء.
وتسمى بلام الطلب وتستعمل للدعاء، كقوله تعالى: " لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ "، وتستعمل للالتماس، كقولك لمن يساويك: لتفعل من غير استعلاء، وهذه اللام كصيغة "إفعل"، وقد تخرج لغير الطلب، كالتهديد، كقوله تعالى : " لِيَكْفُرُوا بِمَا ءَاتَيْنَـٰهُم وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ"، وأصلها في ذلك معنى الطلب.
4 –المصدر الدال على الأمر:
والأصل في صيغة الأمر أن تفيد الإيجاب والإلزام ويقصد به طلب الفعل على وجه اللزوم، وهذا مفهومها عند جميع النحاة، مثل: سعياً في سبيل الخير، وقد تخرج عن معناها الأصلي إلى معانٍ أخرى تستفاد من سياق الكلام، وقرائن الأحــــــــــــــــوال، كالالتماس في قول الشاعر:
فــ(رفقاً) مصدر دلَّ على فعل الأمر وهو (ارفق).
وقوله:
و(صبراً) مصدر من فعل الامر (اصبر).